كتب علي لفتة سعيد: هناك معادلة طبيعية تقول كلما قلّت الخضرة، زاد التصحّر، وقلّت المياه، وهبّت الرياح الهوجاء، وتحرّك الغبار، وغادرت الفراشات البساتين، وعطشت الأرض، وارتفعت درجات الحرارة إلى معدّلاتٍ قد تكون قاسيةً أكثر من غيرها في المناطق الخضراء، التي تشهد أيضاً ارتفاع درجات الحرارة بالشكل الطبيعي الموسمي، لحلول فصل الصيف.
إن واحدةً من أسباب ارتفاع درجات الحرارة في العراق، هي قلّة المياه في الأنهار، وجفاف الجداول والمنابع، وقلّة مياه الأهوار، فضلاً عن قلّة المساحات الخضراء التي كانت بسبب تجريف البساتين، وقتل الحدائق العامة، وقلع الأشجار التي تأتي لأسبابٍ عديدةٍ، أهمّها إقامة المشاريع السكنية والعمرانية والصناعية والتجارية، التي تضاف لها أسباب ارتفاع درجات الحرارة، من خلال عمليات تبليط الشوارع وارتفاع البنايات الإسمنيتة.
وقد نضع الكثير من الأسباب الأخرى التي تتعلّق بالبيئة والمناخ وتغيّرات العالم والاحتباس الحراري وزيادة معدّلات تسمّم الهواء والعوادم والتلوّث البيئي، لكن أمام كلّ هذا يقف سبب قلة المساحات الخضراء هو الأعلى في التقييم المناخي والأسباب القاهرة التي تساهم في زيادة معدّلات ارتفاع درجات الحرارة، سواء تلك التي تم تجريفها أو التصحّر الذي حصل بسبب قلّة المياه.
وقد ذكرت لجنة الزراعة في مجلس النواب، خلال مؤتمر صحفي لها العام الماضي، أن «تداعيات المياه أثرت على زيادة التصحر بواقع 70% من الأراضي العراقية، وانخفاض الأراضي الصالحة للزراعة من 80 مليون إلى 14 مليون دونم»، وربما الآن زادت هذه النسبة، وقلّت الأراضي الزراعية إلى مستويات مخيفة، بعد أن تم تجريف مئات الملايين من الدونمات في المناطق الزراعية، خاصة تلك المتاخمة للمدن أو التي دخلت في التصميم الأساس للمدن، فضلاً عن عدم وجود قوانين تمنع إنشاء الأبنية في المناطق الزراعية، أو وجود قوانين أخرى تشترط على صاحب المشروع إنشاء الحدائق بالتزامن مع تنفيذ المشاريع.
بل أن وزارة الزراعة، أشارت في العام الماضي، إلى أن «الفراغ الحكومي في العام 2003، أدى إلى تجاوز بعض المواطنين وتجريف البساتين والأراضي في المحافظات، خاصة وأن أكثر المساحات التي تم تجريفها في المناطق ذات الكثافة السكانية في بغداد والبصرة والموصل».
ويتبعها بعد ذلك محافظات الفرات الأوسط التي ارتفعت فيها درجات الحرارة إلى مستوياتٍ عالميةٍ، بسبب تجريف البساتين وزيادة المشاريع الإسمنتية والإسفلتية، وفي الجنوب حيث أكثر عمليات التجريف، ومنها البصرة التي تم تجريف أكثر من 50 ألف دونم من بساتين النخيل بحسب التقارير الرسمية، لتنفيذ مشاريع مختلفة، دون وجود مشاريع زراعية مرافقة لها.
وقد ظلّت عمليات الزراعة عبارة عن دعواتٍ خجولةٍ تقوم بها هذه المحافظة أو تلك، ثم سرعان ما تنتهي دون متابعة أو الحصول على منجزاتها أو مخرجاتها الزراعية، بل أن المواطن يشهد موت الأشجار التي تمّت زراعتها، في هذا المساحات خارج هذه المدينة أو تلك، أو على الطرق الخارجية وبعض الفعاليات المدرسية التي لم تثمر عن شيء.
ولذا فإن الحاجة باتت ماسّةً إلى حملةٍ زراعيةٍ، تشمل كلّ منطقة فارغة في العراق مهما كانت مساحتها، لقد حان الوقت لإصدار قرار حكومي أو برلماني ينص على زراعة الأشجار في كل مكان.. في المناطق السكنية، وفي الجزرات الوسطية، وأمام البيوت، وساحات المدارس، وأبواب دخولها، وحول الملاعب الرياضية والأندية والدوائر الحكومية، وأمام البنيات الاستثمارية، والمشاريع الاستثمارية والطرق التي تربطها بالمدينة، سواء كانت مشاريع نفطية أو سكنية.
مع إصدار قرار ينصّ على أن كلّ بنايةٍ جديدةٍ تضع في الحسبان المساحات الخضراء، من خلال عدم إلصاق البنايات مع بعضها، كما هو في كلّ دول العالم، حيث البناية تدور حول نفسها، ولا تلتصق ببنايةٍ أخرى، فيضيع الجمال وتقتل الخضرة، وأن تكون هناك حملةٌ وطنيةٌ تقوم بها رئاسة الوزراء بتشكيل لجنة منها والمحافظات ووزارة الزراعة والبيئة، لتحديد كلّ منطقة تستحق الزراعة بالأشجار دائمة الخضرة، وجعل المناطق ما بين المشاريع والأبنية متنفّساً أخضر ونقياً، ومنع إقامة أكثر من مشروع استهلاكي في منطقة واحدة، وقد زحفت هذه المشاريع إلى الأحياء السكنية وإقامة حدائق ومتنزهات، بدلّاً من قتل الواقع بالتصحّر، لأن القادم هو ارتفاع الحرارة الذي سيكون قاتلاً وسيساعد أيضاً في جفاف الأنهار واستخدام أكثر للمياه، الذي هو يهدر الآن من قبل المواطنين بعمليات إسراف كبيرة وقاتلة، لمعادلة ارتفاع درجات الحرارة.