تخللت الحرب فقرات وجيزة من الهدن وكانت تعود بعد كل هدنة بشراسة اكثر، خاصة ان حرب الابادة المستمرة منذ ستة اشهر ضد غزة جعلت من الحرب الاهلية الشرسة في السودان قضية شبه منسية عالمياً إسلامياً وعربياً.
كتبت نرمين المفتي: شددت جامعة الدول العربية في 15 نيسان 2023 وعلى لسان الأمين العام المساعد، حسام زكي، على أن “الوضع في السودان مؤسف للغاية وما يحدث حاليا يهدد وحدته” وقال في تصريحات صحفية عن استعداد الجامعة العربية “لإجراء وساطة بين الأطراف السودانية لاستعادة الهدوء”. واستدرك مشيرا إلى صعوبة في التواصل مع القيادات السودانية المعنية، وأنهم تصريحه قائلا “نناشد جميع الأطراف السودانية بوقف التصعيد فوراً”. واكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إن إيقاف الحرب في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه من أهم أولويات جامعة الدول العربية. لكن الحرب التي اندلعت في 15 نيسان 2023، بين عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش والذي يعتبر الحاكم الفعلي للسودان، منذ انقلاب عام 2021، ونائبه السابق، قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” والذي كان من مؤسسي ميليشيا الجنجويد بمباركة من الرئيس الأسبق عمر البشير، لمواجهة التمرد في اقليم دارفور قبل انفصاله وتحوله إلى جمهورية (جنوب السودان) وكافأه البشير بمنحه رتبة عسكرية وتسليم حماية الحدود لمسلحيه، فضلا عن منحه مسؤولية حماية امنه ومنصبه ولم يعرف بأنه سينقلب عليه ويتحالف مع البرهان لإسقاطه في 2019 ومنذئذ استمرا حليفين وتقاسما السلطة وقاما بتسويف تسليم السلطة للمدنيين كما وعد البرهان في البداية.
كانت نقطة الخلاف في قضية دمج مسلحي حميدتي وعددهم 100 الف في الجي، وهي القضية التي تعمد حميدتي تسويفها وتأجيلها، خاصة بعد سيطرته تقريبا على مناجم الذهب في جبل عامر، والتي تقدر كمية الذهب التي تستخرج منه بخمسين طن ذهب. وكان جبل عامر الذي اكتشف الذهب فيه في 2012 رهان البشير للاقتصاد السوداني بعد انفصال دارفور في 2011 ، واصبحت حقول النفط العملاقة من نصيب جمهورية جنوب السودان. لقد مكّن الذهب والقوة حميدتي على تشكيل علاقات قوية مع دول وقوى خارجية وعلى مواجهة الجيش، علما بأنهما (البرهان وحميدتي) وافقا معا على اتفاقية السلام مع (إسرائيل) في 2020 ولكن تقول التقارير الصحفية إن علاقة الكيان مع حميدتي اقوى..
تخللت الحرب فقرات وجيزة من الهدن وكانت تعود بعد كل هدنة بشراسة اكثر، خاصة ان حرب الابادة المستمرة منذ ستة اشهر ضد غزة جعلت من الحرب الاهلية الشرسة في السودان قضية شبه منسية عالميا وإسلاميا وعربيا.
استنادا إلى تقارير المنظمات الاممية، ادت الحرب التي دخلت سنتها الثانية بمقتل اكثر من 13 الف مدني واغتصاب عشرات الالاف من النساء ونزوح اكثر من 6 ملايين ونصف المليون داخل السودان ولجوء اكثر من مليونين ونصف المليون إلى تشاد، ووضعت السودان على أبواب مجاعة كارثية. درسنا في درس الجغرافية في المتوسطة أن السودان تشكل (سلة خبز) للمساحة الشاسعة للتربة الخصبة، فضلا عن نهر النيل وأنهارها الصغيرة وكان النفط غير مستكشف بها، ونستطيع أن نتخيل كيف كانت هذه السلة ستصبح مع اكتشاف النفط والذهب في ما بعد؟ لكنها، كأية دولة عربية، تقريبا تسلط عليها اما الجيش أو احزاب أو سياسيون لا يعرفون سوى العمل على استمرارهم حتى وان كان في خراب البلد.
وهناك عامل آخر مهم جدا في تدمير السودان وهو ان نفوس السودان التي تقدر ب 45 مليونا ينتمون إلى 57 عرقية وتنقسم بدورها إلى 570 قبيلة لديها 114 لغة أو لهجة مختلفة، عدا الاختلافات الدينية والمذهبية والسياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، كان هذا العامل الطريق الذي مهد دائما لتدخلات خارجية، لتفقد السودان صفتها ليست كسلة خبز عربية انما حتى سلة خبز لشعبها. وعادت جامعة الدول العربية في شهر اذار المنصرم إلى التأكيد على إيقاف الحرب في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه من أهم أولوياتها.
جاء ذلك حين استقبل الأمين العام للجامعة احمد ابو الغيط رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، ووفد تنسيقية القوى الديمقراطية السودانية (تقدُم) بمقر الأمانة العامة في القاهرة. وبين التصريح الذي بدأنا به المقال والآخر الذي ننهي به، تستمر الحرب الاهلية في السودان وتستمر المآسي الإنسانية وتستمر ارتكاب جرائم الحرب بانتظار أن تنجح قوى مدنية سودانية، ربما، بمساعدة عربية أو إفريقية أن تنجح بانقاذ السودان، أو أن يستلم السلطة فيها عسكري صادق ونزيه مثل الراحل عبد الرحمن سوار الذهب، الذي وعد السودانيين بالتنحي وتسليم السلطة خلال سنة بعد التخلص من نظام جعفر النميري وصدق