كتب د. محمد وليد صالح: القدرة على الاستقطاب والإقناع المعتمدة على أساليب، قوامها نشر الأفكار عبر وسائل الاتصال والحصول على ما تريد عن طريق الجاذبيَّة وصورتها، بدلاً عن الإرغام ودفع الأموال والإكراه والضغوط، ذهب إليه جوزيف صموئيل ناي، قبل خمسة وعشرين عاماً.
فالقدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية، وكذلك فنّ اجتذاب الآخرين إلى نظام ما باستعمال الإغراء الخالي من الترغيب والترهيب، يعتمدان على إبهار الآخر بالمخزون الثقافي.
إنَّ العلاقة بين القوة المادية الصلبة للدولة التي تتضمن القوة الاقتصادية والعسكرية وقوتها الناعمة أو المرنة المتضمنة الرمزية وإثارة العواطف بواسطة التركيز على الأمور التي تتعلق بحياة المجتمع، لتحقق نتائج أكثر مما تحققه القوة الجامدة، تتضمن ثلاثة جوانب نابعة من تداخل القوتين ودعم الواحدة للأخرى، على النحو الذي يكفل بلوغ أهداف سلوكية معينة، فضلاً عن التحوّلات العالمية من الاعتماد على القوة العسكرية والكثافة السكانية واعتبارات الجغرافيا، إلى الاعتماد على القوة التكنولوجية والمعلوماتية والاقتصادية والتعليم، لأنَّ مصدراً واحداً للقوة لم يعد كافياً لبلوغ الأهداف المرسومة في عالم اليوم، وتتسم هذه بهدوئها وسيرها التدريجي وغير الظاهر بصورة مباشرة.
إذ يعود التفضيل لأسباب عدة منها الاقتصادية، لما للحرب التقليدية من خسائر في الأموال والمعدات والموارد البشرية، والاستراتيجية المتعلقة بحسابات الأمر البعيد والخوف من تغيرات الأحداث وموازين القوى، وتتمثل الاستثمارية بثروات البلدان ومدى تعرضها لأخطار الحرب والتدمير بلا سبب، أما السياسية هو أنَّ الدول الكبرى التجأت للقوة الناعمة والدبلوماسية العامة، من أجل تحسين صورتها عند الشعوب للتأثير فيهم بواسطة وسائل الاتصال الجماهيرية وغير الجماهيرية، لتحقيق استلاب الذات وضياع الهوية الثقافية، عن طريق نظم العولمة وأحياناً شيوع الفوضى والتفاهة.
وتمارس العلاقات العامة الدولية دور الوسيط في السياسة الخارجية للدول بوصفها الطريقة التي تؤثر بها الحكومات والأفراد والجماعات بطريقة مباشرة وغير مباشرة في اتجاهات الجمهور وآرائه، التي تؤثر مباشرة في قرارات السياسة الخارجية لحكومات دول أخرى، ولاسيما أنَّ نصف سياسات القوة اليوم تكمن في القدرة على صنع صورة الدولة في العالم، وعندما تسعى دولة ما لتحسين صورتها أمام الرأي العالمي الخارجي مع تزايد أهمية الجمهور في الشؤون الدولية، فإنها تسعى إلى بناء الثقة فيها كدولة مسالمة وإيجابية ومتعاونة في المجتمع الدولي.
لذا اتسمت تكنولوجيا العمليات الاتصالية الدولية بالاستمرارية والتفاعلية ودفعت الحاجة إلى وجود تفاهم متبادل ومستمر بين المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات والحكومات وبين جمهورها، فالثقة الدولية عامل يتيح لها الحصول على الموارد والدعم السياسي والمادي، أو ما يطلق عليه السمعة الوطنية للدولة يمكن أن تكون في أكثر فائدة لها من القوتين العسكرية والاقتصادية، مما يعطي جاذبيتها الثقافية وقيمها المثالية وسياساتها الإيجابية، وإضفاء شرعية على الدولة ذات السمعة الجيدة.