أقيمت صلاة الجمعة، في مسجد وحسينية الإمام الحسن المجتبى ( ع ). في خانقين منطقة علي مراد بإمامة الشيخ حسين المندلاوي.
وفيما يلي نص خطبة صلاة الجمعة، وتابعتها “النعيم نيوز”: الخطبة بعنوان (إحياء الشعائر الحسينية سبيل للهداية والاصلاح).
الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً وصلى الله على أكرم خلقه عليه وأحبّهم إليه محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
إنه لمن الألطاف الإلهية والتأييد الرباني هذه المسيرة المليونية الكبيرة بما تتضمنه من مشاهد إعجازية. حيث يشارك فيها الشيخ المسنّ والمرأة الضعيفة والأطفال الصغار. حتى الرُضّع الذين تضنُّ بهم أمهاتُهم عن أبسط أشكال الأذى والإيلام وإذا بها تعرّضه للشمس الحارّة نهاراً والبرد ليلاً وتسير به في العراء مئات الكيلومترات مشياً على الأقدام دون اصطحاب العدة المناسبة لرعاية الأطفال.
ولا تحسُّ من أحد منهم وهم ملايين أي شعور بالضجر والسأم والملل. بل الكل مندفعون متحمسون تكاد أرجلُهم لا تحملهم من الفرح ونشوة الانتماء لحصن ولاية أهل البيت (ع) المنيع.
إن أي جيش في العالم يجنّد مئات طائرات النقل وآلاف العربات والشاحنات لقطعاته المنتشرة في مساحة معينة. ومع ذلك يحصل عنده العجز والخلل. وهو أقل عدداً من هذه الملايين الزاحفة ولا يغطي مساحة بسعة المدن والمناطق التي انطلقت منها هذه الحشود الزاحفة إلى قبر أبي عبد الله (ع).
فما هذه المحركية الهائلة التي تجنّد الجميع في إقامة الشعيرة المقدسة. بين من يمشي على قدميه وآخر يقدّم الطعام والشراب وثالث يقوم بالخدمات الطبية ورابع يسعف الزائرين ويتبرك بغسل أقدامهم .
إنه الإخلاص والصدق في ولاء النبي وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين). الذي ألقاه الله تبارك وتعالى في قلوب المؤمنين ليكون أجر النبي (ص). على تبليغ الرسالة (قُل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودَّةَ في القربى).
هذه المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام تجعل العالم كله يقف إجلالاً وهيبة لهذه الروح الكبيرة. وتثير حقد وغضب من نصبوا العداوة لأهل البيت (ع). الذين قال فيهم الله تبارك وتعالى (أمْ يَحسدونَ الناسَ على ما آتاهمُ اللهُ من فضلِه، فقد آتينا آلَ إبراهيمَ الكتابَ والحكمةَ وآتيناهم ملكاً عظيماً) (النساء/154). ويفسرها الإمام الباقر (ع) بقوله (نحنُ الناس المحسودون).
ولإظهار عجزهم عن إيقاف هذا المد الإلهي الهادر. لجأوا الى الأساليب الخسيسة في استهداف الزوار بالرصاص والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والعالم كله يشهد ان الزوار أناسٌ أبرياء يسيرون عُزَّلاً من كل شيء. وهذا الانحطاط منهم ورثوه من أسلافهم الذين لم يتورعوا حتى عن قتل الرضيع ضمآناً. وإحراق البيوت وسبي النساء ورضِّ الأجساد الطاهرة بحوافر الخيل وقطع الرؤوس.
إن ردّكم الحاسم الذي تجيبون به أولئك الأراذل هو بهذا التواجد العظيم في الشعائر المقدسة. (ومن يعظّم شعائرَ الله فإنها من تقوى القلوب). لتُدخلوا اليأس عليهم بمواصلة السير بإصرار على نهج الأئمة الأطهار وان لا تحيدوا عنه قيد أنملة.
إن هذه الشعائر مظهر من مظاهر العزة والكرامة والشرف والفضيلة لأهل البيت النبوي الطاهر (صلوات الله عليهم أجمعين). تبهر الناس وتجعلهم يفكّرون ملياً في الإلتحاق بهذه المدرسة الشريفة التي أرسى النبي (ص) أسسها وشاد أركانها الأئمة الطاهرون بدمائهم وجهودهم وجهادهم وهي أمانة في أعناقكم أن تحافظوا عليها.
إنكم بإحيائكم هذه الشعائر تنالون أجراً فوق أجوركم باهتداء الكثيرين إلى نهج أهل البيت (سلام الله عليهم) واستبصارهم وتكونون مصداقاً لقول النبي (ص) لأمير المؤمنين (ع) (يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وما غربت) وقد نقل لي أحد الفضلاء ممن شارك في إرشاد الحجاج الى مناسكهم في الموسم الأخير ان (63) شخصاً من أهل مكة وحدها استبصروا واهتدوا الى ولاية أهل البيت النبوي الطاهر وهم يمارسون دعوة أهلهم وأقربائهم الى هذا الشرف العظيم، وكل ذلك ببركة هذا الصوت المبارك الذي انطلق من رحاب أرض علي والحسين (ع) والكاظمين والعسكريين (ع) التي ستكون عاصمة الامام المنتظر الموعود (ارواحنا له الفداء) ومنطلق حركته العالمية المباركة.
الإمام الحسين (عليه السلام) وارث الاعمار الشامل
ذلك فان شريعة الاسلام وهي خاتمة الشرائع الالهية واكملها لم تكتف بالإعمار والإصلاح الديني وإنما عمّت بقوانينها وأحكامها كل شؤون الحياة وقضايا الناس، وقد عبَّر الإمام الحسين وارث الأنبياء وحامل رسالاتهم كلها عن هذا المشروع الإعماري الشامل وأشار في كلماته الشريفة الى كل هذه المجالات.
ففي مجال الإعمار والإصلاح الديني قال: (وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً ، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً ، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جَدِّي. أريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر ، وأسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي ، وأبي علي بن أبي طَالِب ‘).
وفي مجال الاعمار القانوني قال (وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السنة قد اُميتت والبدعة قد اُحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد). أي ان هؤلاء الطغاة عطّلوا العمل بالدستور والقانون فالامام. يدعوهم الى العودة الى العمل بالدستور –وهو القرآن- والقوانين المبيّنة له –وهي السنة الشريفة-.
وفي مجال الاعمار السياسي وبيان صفات المستحقين للإمامة والقيادة وولاية امور الأمة قال (فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات لله).
واعتبر سبب الخراب والفساد الاقتصادي والاجتماعي والاخلاقي والديني وضياع الحقوق والعدالة يرجع الى ولاية القادة غير الشرعيين لأمور الناس قال بعد ان حمّله كل افراد الامة مسؤولية التغيير: (مَن رأى سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحرم الله، أو تاركاً لعهد الله، ومُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله. فََعَمِلَ في عبادِ الله بالإثمِ والعدوانِ، ثم لم يُغيّرْ عليهِ بقولٍ ولا فعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه). قال في تحليله (وقد عَلمتُم أنَّ هؤلاء لَزِموا طاعةَ الشيطانِ وتَولَوا عن طاعةِ الرحمنِ، وأظهرُوا الفسادَ وعطلّوا الحدودَ واستأثَروا بالفيء. وأحَلّوا حرامَ اللَّهِ وحَرَّموا حلالَهُ، وأنا أحقُّ من غيري بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله.
وفي رواية اخرى (وأنا أولى من قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله، لتكون كلمة الله هي العليا).
وهذا بعينه هو مشروع الامام المهدي المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقد ادخره الله تعالى لإقامة الحق والعدل وارساء قواعد الدولة الكريمة العامرة بالخيرات والبركات والعزة والكرامة، كما ورد في دعاء الافتتاح لليالي شهر رمضان المبارك (اَللّـهُمَّ إِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة) ، ولا تكون الدولة كريمة الا اذا سادها الاعمار والاصلاح في جميع المجالات.
ونحن ننهي الموسم الحسيني لشهري محرم وصفر لابد ان نقف ونراجع ونحلل مقدار استفادتنا من اقامة الشعائر الحسينية، كما امرنا الائمة المعصومون في كل طاعة، كالصلاة حينما جعل الامام مقياسا لقبولها والانتفاع بها وهو مقدار نهيها عن الفحشاء والمنكر .
فدرجة استفادتنا من النهضة الحسينية المباركة يحددها مقدار نجاحنا في انجاز الرسالة الحسينية المباركة وتحقيق الاعمار في نواحي الحياة الانسانية الكريمة.
وهي نفس الدرجة التي نستحقها في اختبار التمهيد للظهور المبارك للإمام المهدي لأن الرسالة واحدة والغرض واحد، فلنراجع انفسنا ونقّيم افعالنا بدقة ولا نكون من الغافلين المخدوعين ببعض الشكليات والعناوين المزوّقة والطقوس المتخلّفة لنقنع انفسنا باننا قد احيينا شعائر الحسين وهي لا تزيد إلا بعدا عن الامام الحسين واهدافه المباركة لأنها تساهم في تجهيل الناس وتسطي عقولهم وهو مخالف لما أراده الإمام كما ورد في زيارته المخصوصة انه (بذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة) والله المستعان .