كتب طالب سعدون: وصف التعامل مع الناس بأنه (فن) يتفاوت فيه البشر.. من يتقن هذا الفن يكون سعيداً ومحبوباً بين الناس ويحظى بقبول وترحيب، لأنه ينشر السعادة أينما حل في مجلس أو تجمع.
فن يحتاجه كل إنسان لأنه يعيش وسط مجتمع أو ضمن مهنة أو عمل.. الإنسان في البيت.. والموظف في العمل والبقال وصاحب المحل ورجل الأعمال..
وهذا التفاوت ينعكس على العمل.. هناك وظائف ومهن تحتاج إلى نمط معين من البشر يجيد فن التعامل مع الآخر، و(كاريزما) خاصة، وهي وراء النجاح والفشل، ومستوى العلاقة مع الناس، وفي ما تحققه في النهاية من مردود مادي أو اعتباري.
قد يكون الإنسان حسن السيرة والسلوك ويتمتع بفضائل كثيرة وأخلاق عالية، لكنه لا يصلح لهذه المهنة، بل يصلح ويبدع في أخرى غيرها.
فعلى سبيل المثال يتطلب العمل في (الخارجية)، مواصفات خاصة في الموظف، تؤهله لكي يكون رجل علاقات من الطراز الأول، وممثلاً جيداً لبلاده بما يعكسه من دبلوماسية عالية في التصرف، وسلوكاً راقياً، في لغته وكلامه وملبسه، أي أن يكون صورة مشرقة لبلاده في الخارج.
وهكذا بالنسبة إلى المعلم والقاضي، والطبيب، فلا يمكن أن تجد طبيباً غير إنساني في تعامله مع المريض، لكن ذلك لا يلغي الاستثناء عن القاعدة. وتكاد تكون الإنسانية والنظام والالتزام بمواصفات المهنة القاسم المشترك في النجاح.
وقد تجد بقالين متجاورين يبيعان المادة نفسها، لكن تجد الإقبال على أحدهما أكثر من الآخر، بسبب الاختلاف في الجانب الإنساني في التعامل مع الزبائن، وهو أساس النجاح، تضاف له طريقة عرض المادة، وهي جزء من الدعاية والإعلام في العمل. ومثلما هو مطلوب من رجل الشرطة، الهيبة والقوة والحزم مع المخالفين والسيئين، فإن الجانب الإنساني هو الوجه الثاني لهذه الشخصية، التي تعكس في الوقت نفسه مستوى رقي البلد وتطوره، واهتمامه بحقوق مواطنيه..
ويعد السهر والتعب والجد والعمل السمة الغالبة على العاملين في هذا المجال الحيوي، لكي يكون المواطن مطمئناً في بيته وعمله، ويكون حضورهم في الشارع مبعث أمن وطمأنينة للمواطن، وبخلاف هذه الصورة، يكون هناك خلل ينبغي تصحيحه.
وعلى ذمة ما نقله ضيف في أحد البرامج التلفزيونية، إن إحدى السيدات العربيات، تقيم في إحدى الدول الأوروبية، وأرادت أن تخيف طفلها الصغير بالشرطي الموجود بالقرب منها في الحديقة العامة، لأنه يرفض المغادرة ويصر على اللعب.. فرفض الشرطي هذا الطلب، وهذه النظرة عن الشرطة بشدة، وبدا منزعجاً، وكأنها شتمته، أو نالت منه بسوء.
وقال لها نحن – الشرطة لم نأت إلى هنا، لكي نكون مصدر قلق وإزعاج وخوف للمواطن، وانما لراحته وأمنه وسلامته، ونريده أن يكون مطمئناً بوجودنا، وهو بهذا لا يريد أن يأخذ الإنسان نظرة غير صحيحة عن طبيعة عمل الشرطي، ومهمته الإنسانية.