كتب وليد الحلي…تتعرض الإنسانية اليوم للحروب والقمع والتسلط الاستبدادي كما كانت عليه في الزمن المباد، ومثلها قيام كيان (جرائم الإبادة الجماعية) الغاصب لفلسطين بانتهاكاته الواسعة القاسية جدا لحقوق الإنسان ضاربا عرض الحائط ما توصل إليه العالم من قوانين لحقوق الانسان بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.
كذلك نجد إذعان أغلب دول العالم للإبادة الجماعية لهذا الكيان لترضية الاستكبار لأطماع الماسونية الشريرة.
إن المرض الاستكباري هذا انتقل إلى العديد من دول العالم وبضمنها الدول الإسلامية، التي سيطر على العديد منها الاستكبار العالمي ليفرض قياداتها المرتبطة بالمعادلة القهرية الدولية لمساندة المغتصبين الصهاينة، ولتحقيق مكاسب شخصية أو فئوية على حساب العدالة والمساواة.
وهذا هو الاضطهاد لحقوق الإنسان، فما أشبه اليوم بالأمس حيث تعرض أهل بيت النبوة (عليهم السلام) للمصائب والاضطهاد واستغلال القيم بغير وجهها، ففي مثل هذه الأيام في اليوم الثالث من جمادى الآخرة عام 11 هجرية، تعرضت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) لسلب حقوقها المشروعة وتوفت مظلومة، محتسبة عند الله كما أوصت بمنع حضور من ظلمها في تشييعها.
تلك التي وصفها والدها خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله) بأنها: (أم أبيها) و(فاطمة بضعة مني، من أحبها فقد أحبني، ومن أبغضها فقد أبغضني، ومن آذاها فقد آذاني).
وفي سيرتها العطرة، تمثل السيدة الزهراء القدوة الحسنة للمرأة في كل زمان ومكان، كما تعد الشخصية الرسالية الأولى للمرأة في وعيها وإيمانها وعلمها وعملها السياسي والاجتماعي، وتحركها في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما عن دورها في بناء الأسرة والمجتمع، فقد كانت (عليها السلام) ركيزة أساسية في بيتها، زوجة مثالية لأمير المؤمنين الإمام علي (ع)، ومربية مثالية في تربية أبنائها الأئمة الأطهار الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة والسيدة زينب الكبرى بطلة كربلاء (سلام الله عليهم)، الذين صاروا رموزًا للحق والعدالة عبر التاريخ.
وقد أكدت (عليها السلام) على ما يلي: (جعل اللهُ الإيمانَ تطهيراَ لكم من الشِرك، والصلاة تنزيها لكم من الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييدا للدين).
وفي ذكرى رحيلها إلى بارئها نستذكر مواقفها الرسالية في الدفاع عن حقوق الإنسان والتصدي للظلم، وعلاقتها الحميمة مع أبيها الرسول محمد (ص) وزوجها الإمام علي (ع) كونها فاطمة بنت وزوجة وأم أصحاب الكساء الخمسة من أهل بيت خاتم الأنبياء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) الذين طهرهم الله تعالى في الآية 33 سورة الأحزاب: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
نعم فاطمة الزهراء (ع) في الآية القرآنية التالية مثلت نساء المسلمين في يوم المباهلة مع نصارى نجران في المدينة المنورة بتاريخ 24 ذو الحجة عام 9 هجري.
( فَمَن حاجك فِيهِ مِن بَعدِ مَا جَاءكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءنَا وَأَبنَاءكُم وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُم وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم، ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَةُ اللهِ عَلَى
الكَاذِبِينَ) آل عمران: 61،
حيث مثل الإمام علي (ع) نفس الرسول (ص) وفاطمة الزهراء (ع) مثلت نساء المسلمين والحسن والحسين (عليهما السلام) مثلا أبناء المسلمين، فلما رأى نصارى نجران بأن المناظر لهم في المباهلة هم أهل بيت النبوة طلبوا من رسول الله محمد (ص) الصلح والانصراف عن المباهلة، فوافق الرسول محمد (ص) على ذلك.
لقد علمتنا السيدة الزهراء أهمية التصدي للأفكار التي تسعى لزعزعة أسس المجتمع العادل. مثل هذه التحديات التي تتجلى اليوم في محاولات تغيير المفاهيم الأساسية لقيم حقوق الإنسان والعلاقات الإنسانية لتصب في مصلحة المستكبر (الطاغية)، وليس في مصالح تنظيم الدولة والأسرة بالشكل الصحيح.
ستظل السيدة فاطمة الزهراء (ع) نورًا يضيء الطريق للمسلمين والمسلمات في شتى مجالات الحياة، فهي المثل الأعلى للمرأة المؤمنة التي تجمع بين التزامها بدينها ودورها الفاعل في المجتمع. وفي ظل التحديات المعاصرة يمكن لنهجها أن يكون مرجعًا ودليلاً لكل من يسعى للتمسك بالقيم الحقة والعمل على بناء مجتمع متماسك وعادل.