مقالات
أخر الأخبار

كتب محمـد علي محمود نديم: تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي

تعد اتفاقية الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وإنفاذها ، الموقعة أثر مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التحكيم التجاري الدولي المنعقد بمدينة نيويورك عام 1958. إحدى أهم المعاهدات التي أقرتها الأمم المتحدة في مجال التجارة الدولية.

إذ وضعت بموجبها معايير دولية لغرض ضمان الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها خارج بلد صدورها. وأصبح العراق الدولة رقم (168) مائة وثمانية وستون من دول العالم (1) في تطبيق الاتفاقية ، حيث انضم اليها بموجب القانون رقم (14) لسنة 2021 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد (4633) في 31/5/2021 ، ولهذا الانضمام أهمية  كبيرة بسبب حاجة البلد إلى التعاقد مع جهات أجنبية عديدة ، خاصة في مجال الاستثمار وذلك لجذب الشركات من مختلف الدول وذلك بجعل التحكيم الطريق المألوف لحل النزاعات التي تنشأ عن العقود التي تبرمها مؤسسات الدولة مع الشركات الأجنبية التي تحبذ اللجوء إلى التحكيم الدولي لضمان حقوقها . الا أن القائمة بشان تنفيذ أحكام التحكيم الدولية هو عدم وجود نصوص واضحة وصريحة تتعلق بتنفيذ تلك الأحكام في ظل قانون المرافعات المدنية وبالتحديد المواد (251-276 الباب الثاني الخاص بالتحكيم) ، وعدم امكان تطبيق قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية في العراق رقم (30) لعام (1928بخصوص تنفيذ حكم التحكيم الاجنبي . كل ذلك يدعو للمضي قدماً وبأسرع ما يمكن الى تشريع قانون للتحكيم التجاري العراقي بعد أن تم وضع مسودته وفق المعايير الدولية للتحكيم التجاري الدولي ( القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لسنة 1985 ( قانون الاونسيترال النموذجي ) المقرر من لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي للاسترشاد به من قبل الدول عند اصدارها للتشريعات الخاصة بالتحكيم. لذلك وجدنا من المناسب تناول هذا الموضوع من خلال هذه الدراسة ببيان الاتفاقيات الدولية التي انضمت اليها العراق وأبرز القواعد الواردة فيها وتعداد لأهم مراكز التحكيم الدولية المؤسسية وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في العراق والاعتراف به واجراءات طلب تنفيذ حكم التحكيم ورفض تنفيذه وإبطاله.

1– : الاتفاقيات الدولية التي انضم اليها العراق :

نجد من الضرورة  بيان أهم الاتفاقيات التي وقع عليها العراق والمتعلقة بتنفيذ الأحكام وقرارات التحكيم الأجنبية ومن ابرز الاتفاقات الجماعية  :

أ‌-     بروتوكول جينيف بشأن قرارات التحكيم لسنة 1923 .

ب‌-     الاتفاقية العربية لتنفيذ الأحكام الأجنبية وقرارات التحكيم لسنة 1952 .

 ج – اتفاقية واشنطن بشأن تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى لسنة 1965 ( اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار) .

د – الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية لعام (1981).

     هـ – اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة والمواطنين العرب لعام (1976) الموقعة بتاريخ (10/6/1974) والتي أصبحت نافذة في (12/8/1976) وقد وقعت من حكومات الدول الأعضاء بمجلس الوحدة الاقتصادية العربية.

هـ – اتفاقية الرياض للتعاون القضائي لسنة 1983( اتفاقية الرياض التي تنحصر على الدول العربية الموقعة عليها فقط ) وقد صادق العراق عليها بالقانون رقم (110) لعام (1983).

و – اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة 1987 ( اتفاقية عمان / ملاحظة لم تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ إذ لم يتم إنشاء مركز التحكيم في الرباط بالمغرب كما كان مخططاً له كما لم يتم الفصل في أية  قضية تحكيم تحت رعايته منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ ) .

ز- اتفاقية الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها (نيويورك 1958 )

أما ابرز الاتفاقات الثنائية التي ارتبط بها العراق  ومنها :

أ – معاهدة التعاون القضائي والقانوني المعقودة بين الجمهورية العراقية واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية (روسيا الاتحادية حاليا) والموقع عليها في موسكو بتاريخ (22/6/1973)، وقد صادق عليها العراق بالقانون رقم (104) لعام (1973).

ب –   اتفاقية المساعدة المتبادلة بين جمهورية العراق وجمهورية مصر الموقع عليها في (1/12/1964) والتي صادق عليها العراق بالقانون رقم (194) لعام (1964) .

ج – اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار بين حكومة جهورية العراق وحكومية الجمهورية الفرنسية رقم (24) لسنة 2012.

د- كما ابرم العراق بروتوكول تشجيع انتقال رأس المال والاستثمار بين العراق والكويت الموقع عليها في (25/10/1964) والذي تطرق بدوره لأحكام التحكيم واعتبارها ملزمة للأطراف في حال صدورها من لجنة التحكيم .

2– أهم القواعد التي وردت في اتفاقية نيويورك :

جاءت اتفاقية نيويورك المتكونة من ( ست عشرة مادة ) والتي تسري أحكامها على أحكام التحكيم الصادرة في المنازعات التجارية والمدنية بقواعد عدة منها :

أ : – أقرت الاتفاقية صورتي التحكيم الدولي ( التحكيم المؤسسي والتحكيم الخاص ) دون أي تفرقة في المعاملة حيث يتم التحكيم بواسطة محكمين معينين للفصل في حالات محددة كما يمكن ان يتم بواسطة محكمين معيين بواسطة هيئات التحكيم الدائمة .

ب : – أخذت بمعيار مكان صدور الحكم لمعرفة الحكم الأجنبي ، حيث ورد في المادة الفقرة الأولى من المادة الأولى من الاتفاقية : (  أن الحكم يعتبر أجنبيا إذا كان قد صدر في إقليم دولة أخرى غير الدولة التي يطلب منها الاعتراف وتنفيذ الحكم المذكور).

ج :- لا تشترط الاتفاقية لتطبيقها أن يكون حكم التحكيم قد صدر في دولة منضمة اليها ، إذ أن الاتفاقية تطبق لدى دولة متعاقدة على أحكام المحكمين التي صدرت في أراضي دولة أخرى متعاقدة متى كانت ناشئة عن منازعات بين أشخاص طبيعية أو معنوية.

د :- اتفاق التحكيم وفق هذه الاتفاقية ، مشروط بأن يكون مكتوباً بصدد منازعات ناشئة عن علاقة قانونية تعاقدية أو غير تعاقدية، تتصل بموضوع يمكن تسويته عن طريق التحكيم ، واتفاق التحكيم بمفهوم الاتفاقية شرط يرد في العقد أو في اتفاق لاحق موقع عليه من قبل الطرفين ، أو قد يرد  في الرسائل أو البرقيات المتبادلة بين الاطراف قبل وقوع النزاع أو بعده.

هـ :- يحق للطرفين بموجب الاتفاقية اختيار أي طريقة لتسوية المنازعات ، بما في ذلك المحاكم الوطنية إلا أن التحكيم هي الوسيلة المثلى لفض المنازعات.

و :- تتسم الاتفاقية بسهولة ويسر اجراءات الاعتراف وتنفيذ احكام التحكيم في الدول المنضمة اليها .  

ز :- إن أحكام هذه الاتفاقية لا تؤثر على صحة ما تعقده الأطراف المتعاقدة من اتفاقيات (متعددة أو ثنائية) تتعلق بالاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها ، ولا تحُرم أي طرف من حق الاستفادة من أي حكم تحكيم يسمح به قانون الدولة المتعاقدة أو المعاهدات الدولية التي تكون الدولة طرفاً فيها والذي يسعى فيه إلى الاحتجاج بهذا لحكم .

ح : -عدم إعطاء أي دولة متعاقدة الحق في استخدام هذه الاتفاقية في مواجهة أية دولة متعاقدة أخرى، إلا بقدر التزامها هي بتطبيق الاتفاقية ( أي المقابلة بالمثل ) (2) .

3– أهم مراكز التحكيم الدولية المؤسساتية (3) :

التحكيم المؤسسي هو التحكيم الذي يتم تحت اشراف مؤسسة أو منظمة دولية مختصة بالتحكيم الذي يتم وفق قواعد خاصة تضعها لغرض تنظيم اجراءات التحكيم التي تتم من قبل المحكمين فيها وأهمها  :

أ‌-     غرفة التجارة الدولية في باريس ( I CC )

ب‌-      جمعية التحكيم الأمريكية ( AAA)

ج – لجنة التحكيم التجاري الأمريكية (  IACAC)

د – مركز تسوية منازعات الاستثمار ( ICSID)

هـ – محكمة لندن للتحكيم الدولي ( LCIA)

و – غرفة استكهولم للتجارة ( SCC)

ز- مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي ( CRCICA)

ح – جهاز تسوية المنازعات بمنظمة التجارة الدولية ( DSB  ).

4– تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في العراق والاعتراف به :

الأصل أن حكم التحكيم ينفذ اختيارياً وذلك بمحض إرادة واختيار من صدر الحكم ضده وهو ما يسمى بالتنفيذ الاختياري . ومع هذا قد يكون من المتصور ، ان لا يقوم المحكوم ضده بالتنفيذ الاختياري وهنا يصطدم قرار التحكيم التجاري الدولي بعقبة مهمة ، وهي التنفيذ ، لذلك تختلف الدول في الطريقة الواجب اتباعها لغرض تنفيذ قرار التحكيم الدولي فعمدت بعض القوانين الى اعطاء قرار التحكيم الدولي الصيغة التنفيذية بمجرد صدوره من قبل المحكمين ، إلا أن جانب آخر منها توجب استصدار أمر بالتنفيذ من قبل السلطة المختصة ، وفيما يتعلق بقانون التنفيذ العراقي رقم (45) لسنة 1980 المعدل فإنه لم يجوز تنفيذ قرار المحكم أو المحكمين الصادر في منازعة في مديرية التنفيذ سواء كان تعين المحكم قد تم من المحكمة أم باتفاق أطراف النزاع إلا اذا أقترن بحكم قضائي صادر من محكمة مختصة وذلك تطبيقاً لأحكام المادة (272) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 ، لذلك لا يجوز تنفيذ قرارات المحكمين مهما كانت الجهة التي اصدرتها ما لم تصدق من محكمة عراقية مختصة ، وقرار التصديق ( قرار التنفيذ ) الذي تصدره المحكمة المختصة محتواه ما توصل اليه المحكمون إذا كان ما توصلوا اليه غير مخالف للنظام العام في العراق (4). وقد أجازت المادة (37) من اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي الاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها لدى أي من الاطراف المتعاقدة بنفس الكيفية المنصوص عليها في الباب الخامس من الاتفاقية وبشرط عدم الاخلال بنص المادة (28) من الاتفاقية المتعلقة بحالات اختصاص محكمة الدولة التي صدر فيها الحكم ، وكذلك عدم الاخلال بنص المادة (30) منها المتعلقة بحالات رفض الاعتراف بالحكم ، ولا يجوز للهيئة القضائية المختصة لدى الطرف المطلوب منه الاعتراف والتنفيذ التطرق الى موضوع التحكيم أو رفض تنفيذ الحكم الا في الحالات المبينة فيها (5)

أما اتفاقية نيويورك 1958 قد عالجت مسالة الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في اقليم الدولة المنضمة اليها ، فقررت في المادة (3) منها أن تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ وطبقاً للشروط المنصوص عليها في المواد التالية ، فحكم التحكيم يكون حائزاً لقوة الأمر المقضي فور صدوره ويكون واجباً تنفيذه غير أنه لا يكون مشمولاً بالنفاذ لذلك يتعين صدور أمر من قضاء الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها وهذا الأمر هو الذي يعطي حكم التنفيذ صفة السند التنفيذي . وطلب تنفيذ حكم التحكيم يقدم بإجراءات الأوامر على العرائض . فالرأي الغالب فقهاً وقضاءً في مصر وفرنسا يرى أن الأمر بتنفيذ حكم التحكيم يعتبر عملاً ولائياً لا يأخذ طابع الخصومة القضائية ، فهو يعد من قبيل الأوامر على العراض لأن الهدف هو اضفاء القوة التنفيذية على حكم التحكيم ومن ثم تنطبق عليه أحكام المواد الخاصة بالأوامر على العرائض . الا أن هناك فروقاً بينهما فيما يخص بالتظلم من هذا الأمر .. فبينما يجوز التظلم من الأمر على عريضة سواء في حالة قبوله أو رفضه ، فإنه لا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم إلا في حالة الأمر برفضه . والحكم في التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ يحتمل وجهين .. الوجه الأول أن يلغي الأمر الصادر برفض التنفيذ ومن ثم يكون مقتضى الحكم في التظلم صادراً بتنفيذ حكم التحكيم وأما الوجه الثاني أن يؤيد الحكم في التظلم الأمر الصادر برفض تنفيذ حكم المحكمين . والقاضي المختص بإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم لا يعد جهة استئنافية ولا يعد جهة مختصة بنظر بطلان حكم التحكيم ومن ثم فهو لا يسعى الى بحث موضوع الحكم ومدى مطابقته للقانون ، وقد ذهبت محكمة النقض المصرية الى أنه ( إذا ما تطرق القاضي الى بحث مدى سلامة أو صحة قضاء التحكيم في موضوع الدعوى فإنه يكون قد خرج عن حدود ولايته لأنه يعد هيئة استئنافية لهذا الحكم ومن ثم فليس له إلا أن يأمر بتنفيذ الحكم أو رفضه ) . وعلى ذلك فإنه لا يجوز للقاضي المختص بإصدار أمر تنفيذ حكم التحكيم أن يفصل في أي طلبات جديدة من جانب أحد الأطراف كما لا يقبل أن يثار أمامه أي دفع من وجوه الدفاع الجديدة في موضوع النزاع ، حيث أن ذلك يعد إصداراً ومساساً بحجية حكم التحكيم ، فضلاً عن ذلك فإن أمر التنفيذ يعد عملاً ولائياً ولا يعد من قبيل الأعمال القضائية ومن ثم فإن دور القاضي المختص يقتصر فقط على التثبت من توافر الشروط اللازمة لتنفيذ حكم التحكيم دون المساس بموضوع النزاع (6) . وعالجت المواد (141-153) من قانون المرافعات المدنية  أحكام القضاء المستعجل والقضاء الولائي ( الأوامر التي تصدر على عريضة أحد الخصوم ) . والقرارات التي يصدرها القضاء المستعجل والأوامر التي يصدرها القضاء الولائي يمكن اعتبارها من قبيل الأحكام القابلة للتنفيذ في مديريات التنفيذ إذا تضمنت القيام أو الامتناع عن القيام بعمل شيء معين أو تسليم شيء معين وما يؤيد هذا الاستنتاج ، هو ما أوردته المادة (165) من قانون المرافعات المدنية التي نصت على قيام المحكمة التي أصدرت القرار في مجال القضاء المستعجل والأمر في مجال القضاء الولائي بتنفيذه بنفسها أو ايداعه للتنفيذ لدى مديريات التنفيذ (7) . وأن أحكام التحكيم التي يجوز تذييلها بالصيغة التنفيذية هي فقط أحكام الإلزام ، وذلك دون الأحكام المقررة أو المنشئة ، وعلة هذا أن حكم الإلزام هو وحده الذي يقبل مضمونه التنفيذ الجبري ، وعلى هذا الأساس فإذا كان الحكم التحكيمي حكماً منشأً أو مقرراً فلا يجوز شموله بالصيغة التنفيذية ، ومثال ذلك الحكم الصادر بفسخ عقد الضمان أو الحكم الصادر بتقرير المسؤولية العقدية لأحد أطراف العقد عن خطأ وقع منه وما شاكلها من أحكام . فهذه الأخيرة لم تلزم أحد أطراف هذا العقد بأن يؤدي أي شيء للطرف الآخر ، ومن ثم لا يجوز والأمر كذلك تذييلها بالصيغة التنفيذية (8) .

5– اجراءات طلب تنفيذ حكم التحكيم :

نصت المادة ( الرابعة ) من اتفاقية نيويورك على أن :

1–    على من يطلب الاعتراف والتنفيذ المنصوص عليها في المادة السابقة أن يقدم مع الطلب:

أ‌-     أصل الحكم الرسمي أو صورة من الأصل تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند .

ب‌-     أصل الاتفاق المنصوص عليه في المادة الثانية أو صورة تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند .

2–    وعلى طالب الاعتراف والتنفيذ إذا كان الحكم أو الاتفاق المشار اليهما غير محرر بلغة البلد الرسمية المطلوب التنفيذ أن يقدم ترجمة لهذه الأوراق الى هذه اللغة ، ويجب أن يشهد على الترجمة مترجم رسمي أو محلف أو أحد رجال السلك الدبلوماسي أو القنصلي.

وأرست الاتفاقية مبدأ المعاملة الوطنية ، مما يعني التزام الدول الموقعة بالاعتراف وتنفيذ هذه الأحكام وفقاً لقواعد المرافعات السارية فيها دون تمييز، ودون إخضاعه لشروط أكثر تشدداً أو لرسوم أكثر تكلفة بدرجة ملحوظة عن الشروط الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية . ومن أهم ما جاءت به اتفاقية نيويورك أنها قلبت قواعد الاثبات ، ونصت على أنه “لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي إلا إذا قدم المنفذ عليه للسلطة المختصة في البلد المطلوب اليه الاعتراف أو التنفيذ دليلاً أو أثباتاً يهدم الحكم التحكيمي ، وقد حددت هذه الحالات على سبيل الحصر ، فأصبح الحكم التحكيمي الدولي قائماً بذاته يحمل طابع التنفيذ ، ولا يشترط فيمن يطلب التنفيذ إلا إرفاق المستندات المطلوبة والرقابة التي تباشرها المحكمة في مكان تنفيذ الحكم الاجنبي تعتبر رقابة خارجية أو شكلية وتقتصر على التحقق من وجود أحد الأسباب التي تمنع تنفيذه ، وهي أسباب محددة على سبيل الحصر ، ولا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها وتسود على الأسباب المحددة في القانون الوطني . (9)

6 – رفض تنفيذ حكم التحكيم الاجنبي :

الأصل أن الأحكام القضائية لا يطعن فيها بالبطلان ، وعلى الرغم من اعتبار قرار التحكيم حكماً ، فإن التشريعات تجيز الطعن فيه بالبطلان على أساس أن المحكم لا يستمد ولايته من الشارع ، وإنما من اتفاق التحكيم فإذا كان هذا الاتفاق منعدماً أو باطلاً انعدم الأساس الذي يستمد منه الحكم ولايته ، فيصير الحكم الصادر منه في حكم العدم . وقد عالجت اتفاقية نيويورك 1958 في المادة ( الخامسة ) منها مسألة إيقاف ورفض التنفيذ والذي يكون بناءً على طلب أحد أطراف النزاع ، الطرف الذي صدر الحكم ضده وذلك في الدولة المراد الاعتراف وتنفيذ الحكم فيها وقد أوردت الاتفاقية الأسباب التي يمكن أن يستند اليها من صدر الحكم ضده في طلب رفض الاعتراف ورفض تنفيذ حكم التحكيم وهي :

1–    عدم أهلية أطراف اتفاق التحكيم وفقاً للقانون الواجب التطبيق أو عدم صحة اتفاق التحكيم طبقاً للقانون الذي اختاره أطراف النزاع ,

2–    أن الطرف الذي صدر حكم التحكيم ضده لم يبلغ بشكل صحيح بتعيين المحكم أو بإجراءات التحكيم أو أنه لم يكن بمقدوره أن يبدي دفاعه .

3–    3- أن الحكم أنصب على خلاف لم ترد الاشارة اليه في مشارطة التحكيم أو في شرط التحكيم أو أن الحكم يتجاوز ما نص عليه مشارطة التحكيم .

4–    أن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءاته لا تتطابق مع ما اتفقت عليه الأطراف أو مع قانون الدولة التي جرى التحكيم فيها في حالة عدم وجود اتفاق بين الأطراف على ذلك .

5–    أن الحكم لم يصبح ملزماً للأطراف أو أنه أبطل أو أوقف العمل به من السلطة المختصة في البلد الذي صدر فيها الحكم طبقاً لقانون ذلك البلد .

 ويظهر من نص المادة ( الخامسة ) من الاتفاقية بأنه للدولة التي يطلب منها الاعتراف ، وتنفيذ حكم التحكيم فيها أن تقرر ايقاف تنفيذ الحكم أو رفض تنفيذه ، ويتم ايقاف التنفيذ بناءً على طلب من أحد أطرف النزاع – الشخص الذي صدر الحكم ضده – ووقف التنفيذ يكون عادة لاعطاء مهلة لمن صدر الحكم ضده لكي يتمكن من الاثبات بأن الحكم غير قابل للتنفيذ ، لسبب من الاسباب التي تدعو الى رفض تنفيذه . وفي هذه الحالة يجوز للقاضي في الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها ، أن يقرر ايقاف تنفيذه إن رأى ذلك ملائماً . وله أن يقرر تقديم ضمانات مناسبة ، من الشخص الذي أراد ايقاف التنفيذ ، وذلك بناء على طلب من الطرف الذي يريد تنفيذ الحكم . والاسباب الخمسة التي عددتها الفقرة الاولى من المادة المذكورة . وجدير بالذكر أن السلطة المختصة لا تستطيع رفض الاعتراف والتنفيذ من تلقاء نفسها بناءً على تحقق أحد الأسباب المشار اليها أعلاه وإنما يجب أن يتم ذلك بناءً على طلب أحد أطراف النزاع ، غير أن الفقرة الثانية من المادة الخامسة قد جاءت بذكر سببين يجوز فيهما للسلطة المختصة في البلد المراد في الاعتراف وتنفيذ الحكم أن ترفض من تلقاء نفسها الاعتراف وتنفيذ حكم التتحكيم الاجنبي إذا تبين لها :

1–    أن موضوع النزاع طبقاً لقانون ذلك البلد لا يجوز حله بالتحكيم أو .

2–    أن الاعتراف وتنفيذ هذا الحكم يتعارض مع قواعد النظام العام لذلك البلد (10) .

7– بطلان حكم التحكيم الاجنبي :

فيما يتعلق بالطعن في القرارات التحكيمية فقد نص القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي اعدته لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للأمم المتحدة في حزيران / يوليو عام 1985 (قانون الاونسيترال) على طريقة واحدة وهي الغاء القرار وذلك في المادة (34) منه والتي ورد فيها :

1–    لا يجوز الطعن في قرار تحكيم أمام أحدى المحاكم إلا بطلب إلغاء يقدم وفقاً للفقرتين (2) و(3) من هذه المادة .

2–    لا يجوز للمحكمة المسماة في المادة 6 أن تلغي أي قرار تحكيم ( المادة السادسة من القانون نصت على قيام كل دولة بتسمية المحكمة أو المحاكم أو السلطة التي تتولى الوظائق الخاصة بالتحكيم ) الا إذا :

أ‌-     قدم الطرف طالب الالغاء دليلاً يثبت :

1–    أن أحد طرفي اتفاق التحكيم المشار اليه في المادة (7) مصاب بأحد عوارض الأهلية ، أو أن الاتفاق المذكور غير صحيح بموجب القانون الذي اخضع الطرفان الاتفاق له ، أو بموجب قانون هذه الدولة في حالة عدم وجود ما يدل على أنهما فعلا ذلك أو

2–    أن الطرف طالب الالغاء لم يبلغ على وجه صحيح بتعيين أحد المحكمين أو باجراءات التحكيم أو أنه لم يستطع لسبب آخر أن يعرض قضية ، أو

3–    أن قرار التحكيم يتناول نزاعاً لا يقصده أو يشمل اتفاق العرض على التحكيم ، أو أنه يشتمل على قرارات في مسائل خارجة عن نطاق هذا الاتفاق ، على أنه اذا كان من الممكن فصل القرارات المتعلقة بالمسائل المعروضة على التحكيم عن القرارات غير المعروضة على التحكيم ، فلا يجوز أن يلغى من قرار التحكيم سوى الجزء الذي يشتمل على القرارات المتعلقة بالمسائل غير المعروضة على التحكيم ، أو

4–    أن تشكيل هيئة التحكيم أو الأجراء المتبع في التحكيم كان مخالفاً لاتفاق الطرفين ، ما لم يكن هذا الاتفاق منافياً لحكم من أحكام هذا القانون التي لا يجوز للطرفين مخالفتها ، أو يكن ، من حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق ، أو مخالفاً لهذا القانون ، أو

ب – وجدت المحكمة :

1–    أن موضوع النزاع لا يقبل التسوية بالتحكيم وفقاً لقانون هذه الدولة أو

2–    أن قرار التحكيم يتعارض مع السياسة العامة Poblic Policy لهذه الدولة .

3–    لا يجوز تقديم طلب الالغاء بعد انقضاء ثلاثة أشهر من يوم تسليم الطرف صاحب الطلب قرار التحكيم أو من اليوم الذي حسمت فيه هيئة التحكيم في الطلب الذي كان قد قدم بموجب المادة 33 إذا كان قد قدم مثل هذا الطلب (المادة 33 نصت على امكانية طلب تصحيح أو تفسير القرار التحكيمي وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسليم قرار التحكيم)

4–    يجوز للمحكمة عندما يطلب منها الغاء قرار التحكيم أن توقف اجراءات الالغاء إن رأت أن الأمر يقتضي ذلك وطلبه أحد الطرفين ، لمدة تحددها هي كي تتيح لهيئة التحكيم استئناف السير في إجراءات التحكيم أو اتخاذ أي إجراء آخر من شأنه في رأيها أن يزيل الأـسباب التي بني عليها طلب الإلغاء .

ويلاحظ أن القانون النموذجي شأنه شأن القوانين الحديثة لم يترك مجالاً للطعن بقرار التحكيم إلا بطلب الإلغاء وهي الطريقة الوحيدة كما ذكر ، وقد عددت الاسباب التي يمكن الاستناد اليها في طلب الإلغاء وكما يظهر من نص الفقرة الرابعة من هذه المادة أن المحكمة قد تعيد القرار الى هيئة التحكيم لتصحيح ما شابه من عيب ومثل هذا الإجراء معروف في بعض القوانين الوطنية كذلك بيًن القانون النموذجي في الفقرة الثالثة من هذه المادة المدة التي يجب خلالها تقديم طلب الإلغاء (11).

وفيما يتعلق بالقانون العراقي فقد الزم في المادة (271) من قانون المرافعات المدنية   المحكمين بإيداع قرار التحكيم مع اتفاق التحكيم لدى المحكمة المختصة بالنزاع خلال ثلاثة أيام التالية لصدوره . وقد أعطت المادة (273) للخصوم الحق بالتمسك ببطلان القرار التحكيمي أمام المحكمة المذكورة ( التي أودع لديها قرار التحكيم ) وللمحكمة أن تبطل القرار من تلقاء نفسها في حالات أربع عددتها المادة المشار اليها .

ومما يتقدم يتبين بأن طرق الطعن في القانون العراقي بالنسبة للقرارات التحكيمية هي كما يلي :

أ‌-     الطعن ببطلان القرار التحكيمي أمام المحكمة المختصة التي أودع لديها القرار المذكور .

ب‌-     الطعن بإتباع الطرق الخاصة بالطعن بالأحكام القضائية عدا الاعتراض . والطعن في هذه الحالة يكون منصباً على الحكم الذي تصدره المحكمة المذكورة حول القرار التحكيمي ، وفقاً للمادة (274) من القانون (12) .

ومما تقدم يمكننا القول بأنه وفي ظل غياب تشريع خاص بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية لعدم صدور قانون للتحكيم التجاري العراقي لحد الآن ومجاراة للنصوص الواردة في اتفاقية نيويورك الملزمة وقانون الاونسترال وما استقر عليه الفقه والقضاء في البلدان العربية التي سبقت العراق بسن قانون خاص يعني بالتحكيم وتنفيذ أحكامه . أرى بأن حكم التحكيم الأجنبي يقدم الى محكمة البداءة المختصة بالدعاوى التجارية حسب اختصاصها المكاني في موطن الشخص الصادر بحقه الحكم ، ويتم طلب تنفيذ حكم التحكيم الاجنبي بعريضة تقدم لقاضي المحكمة التجارية المختصة من قبل من صدر الحكم لصالحه يرفق معها الوثائق والمستندات الواردة في المادة ( الرابعة ) من اتفاقية نيويورك . ويصدر القاضي المختص أمره بقبول أو رفض التنفيذ على أحدى نسختي العريضة في اليوم التالي لتقديمها على الأكثر طبقاً للمادة (152) من قانون المرافعات المدنية ، ويتم اشعار مديرية التنفيذ المختصة في حال قبول الطلب بتنفيذ الحكم ، وهذا الأمر يكون غير قابل للتظلم من قبل من صدر حكم التحكيم الاجنبي ضده لأن كل ما عليه وفق اتفاقية نيويورك والقانون النموذجي المادة (34) منه هو طلب ايقاف الحكم ، كما له إقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة بطلب إلغاء وإبطال حكم التحكيم وتنظر فيها المحكمة وفق الأصول وتصدر حكمها فيها الذي يخضع لطرق الطعن المقررة في قانون المرافعات . أما في حال رفض العريضة المقدمة بتنفيذ الحكم الاجنبي فهذا الأمر يكون قابلاً للتظلم خلال ثلاثة أيام من تاريخ إصدار الأمر أو من تاريخ تبليغه وذلك بتكليف الخصم الحضور أمام المحكمة بطريق الاستعجال ويكون القرار الصادر بتأييد الأمر أو تعديله قابلاً للتمييز ( المادة 153) من قانون المرافعات . أما دعوى الغاء وابطال حكم التحكيم فتتبع فيها الاجراءات التي تقدم بيانها عند الحديث في بطلان حكم التحكيم الأجنبي .

     وختاماً نقترح تعديل بيان مجلس القضاء الاعلى رقم (74) في 10/11/2020 بإضافة اختصاص البت بطلبات الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الاجنبية واصدار قرار التنفيذ لحكم التحكيم الاجنبي الى اختصاصات محكمة البداءة المختصة بالدعاوى التجارية ، لحين صدور قانون التحكيم التجاري العراقي.

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرامالنعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى