كتب مصطفى قاسمي.. أثارت عملية طوفان الأقصى والهجوم الوحشي الذي شنته “إسرائيل” على غزة، موجةً من الكراهية العالمية ضد “إسرائيل”، ونتيجةً لذلك، فقد قضت على رغبة الحكومات العربية في التسوية السياسية مع هذا الکيان والانضمام إلى حلف أبراهام، على الأقل في المستقبل القريب.
وكانت عملية طوفان الأقصى عاملاً في صنع المعادلات السياسية للكيان الصهيوني في المنطقة. وبعد اعتراف الإمارات العربية المتحدة والبحرين بالكيان الصهيوني كجزء من مشروع “حلف أبراهام” الأمريكي، ركزت الولايات المتحدة و”إسرائيل” على جذب السعودية إلى هذا الحلف. كما تم اتخاذ تدابير أولية في هذا الاتجاه.
وزعم “بنيامين نتنياهو”، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (سبتمبر 2023)، أن اتفاق تطبيع العلاقات بين هذا الکيان والسعودية أصبح قريباً، وسوف تنضم إليه دول أخرى، والسلام مع المملكة العربية السعودية سيخلق شرق أوسط جديد. کما ادعی مسؤولون في تل أبيب أنه بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، فإن دولًا عربيةً وإسلاميةً أخرى مثل عمان وليبيا وإندونيسيا، تسير أيضًا على طريق تطبيع العلاقات.
كل الاستعدادات اللازمة لتنفيذ هذا المشروع سارت على ما يرام حتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عندما جرت عملية “طوفان الأقصى” وغيّرت كل المعادلات. وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في كلمة رداً على هذا الهجوم: “أحد أسباب هجوم حماس، هو أنها عرفت أنني أريد التحدث مع السعودية. خمّنوا ما حدث: السعودية أرادت الاعتراف بإسرائيل”.
وبناءً على ذلك، فإن من أهم إنجازات هذه العملية، هو إفشال فكرة التطبيع وتعطيل مخططات الکيان الصهيوني والدول العربية في السنوات القليلة الماضية. وبعد عملية طوفان الأقصى والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، أعلنت السعودية وقف محادثات التطبيع مع الکيان الصهيوني. ولا يقتصر النهج الجديد تجاه “إسرائيل” على المملكة العربية السعودية؛ بل إن الاحتجاجات والمسيرات الشعبية ضد الکيان الصهيوني في جميع أنحاء العالم، تشير إلى أن موجةً مناهضةً لإسرائيل قد تشكلت في مجال الرأي العام العالمي، وهي لا تقتصر على الدول العربية والإسلامية فقط. وعلى الأقل ما دامت ذكرى جرائم “إسرائيل” حيةً في الذاكرة التاريخية للشعوب، فلن يتمكن رجال الدولة العرب من انتهاج سياسة الاسترضاء وتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
ومن الآثار الأخرى التي خلفتها عملية طوفان الأقصى على حلف أبراهام، هو الكشف عن الطبيعة غير الشعبية لهذا الحلف. فبينما تراجعت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في المغرب في السنوات الأخيرة، فإن مثل هذه التجمعات تزايدت منذ بداية حرب غزة. وعليه، بعد الجرائم الإسرائيلية في غزة، نشهد أكبر مسيرات مناهضة لإسرائيل في المغرب.
وفي البحرين أيضًا، بينما لم تبد حكومة هذا البلد أي رد فعل على حرب غزة، وهي الدولة العربية الوحيدة التي وافقت على المشاركة في التحالف الأمريكي في البحر الأحمر لمواجهة تصرفات أنصار الله في اليمن لتطويق “إسرائيل”، لكن أهل هذا البلد بدأوا بمظاهرات حاشدة تأييداً لشعب غزة، وطالبوا بطرد سفير کيان الاحتلال من بلادهم. واستمرت الضغوط الشعبية في البحرين، حتى أعلن برلمان البحرين مغادرة السفير الإسرائيلي المنامة، وتعليق العلاقات الاقتصادية بين هذه الدولة وتل أبيب. وتظهر مثل هذه التطورات أن شعوب هذه الدول لم يكن لها أي دور في تطبيع العلاقات، وأن العلاقة مع “إسرائيل” كانت رغبة حكوماتها. وتبيّن هذه القضية أيضاً أن اتفاقيات أبراهام هي اتفاقيات سطحية وضحلة تفتقر إلى المقومات الشعبية، وهو ما تحاول أمريكا و”إسرائيل” إظهاره كبيراً وهاماً من خلال الدعاية الإعلامية.
ومن ناحية أخرى، واستناداً إلى بعض الوثائق التي تم الحصول عليها، حتى قبل طوفان الأقصى وبدء حرب غزة (أكتوبر 2023)، كانت سياسة الکيان الإسرائيلي بقيادة حكومة نتنياهو اليمينية، هي الهجرة القسرية للفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية. وهذه السياسة نفسها مستمدة من اتفاقيات أبراهام، وعلى أساسها کان الکيان الإسرائيلي يعتزم تعزيز أهدافه في هذا المجال، أي إنشاء مناطق عازلة في قطاع غزة، والتهجير القسري لسكان غزة إلى العريش بمصر، وتطوير المستوطنات في هذه المنطقة، وذلك من خلال استغلال النهج الإيجابي والتعاوني للدول العربية. ورغم ذلك، بعد عملية طوفان الأقصى والهجوم الإسرائيلي الذي أعقبها على غزة، فإن أداء هذا الکيان تسبب في استيقاظ الرأي العام العالمي، بما في ذلك الدول الإسلامية، وأصبحت مهمة الکيان على تطوير اتفاقيات أبراهام لتنفيذ هذه السياسة صعبةً.
إن العالم اليوم لا يضع في اعتباره أمن الکيان الإسرائيلي من دون أمن الفلسطينيين، ويطالب بالحد الأدنى لمصير الفلسطينيين تحت ستار دمج الضفة الغربية مع قطاع غزة والقدس الشرقية؛ ومن غير المرجح أن توافق “إسرائيل” على ذلك. وتعني هذه الظروف إبطاء تنفيذ اتفاقيات أبراهام. وبعبارة أخرى، فإن جرائم الحرب والممارسات الإسرائيلية في غزة لم تجعل قادة الدول العربية يترددون في دفع عملية التطبيع فحسب، بل إنها من خلال خلق فجوة عميقة بين توجهات الغرب وهذا الکيان المجرم، أدت إلى إخراج النهوض بحلف أبراهام من أولوية هذه الدول أيضاً. وكل هذه القضايا يمكن أن تبطئ عملية الاتفاق وتطوير حلف أبراهام على المديين القصير والمتوسط.