كتب عبد الأمير المجر: قد يبدو الحديث في مثل هكذا موضوعات، في هذه الأوقات، نوعاً من الترف، حيث العالم يشتعل بالحروب والأزمات والصراعات، التي تشغل وسائل الإعلام وكتّاب الرأي في الصحف ومواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي.. لكن الوضع في بعض أسواق العاصمة، وتحديداً الأسواق الشعبية، بات لا يطاق وتحوّل، للأسف الشديد، إلى ظاهرة، صار يراها الكثيرون طبيعية بعد أن انتشرت بشكل كبير وتكرست وباتت جزءاً من ثقافة السوق..
الظاهرة هذه بدأت قبل سنين عندما وضع بعض أصحاب محال البقالة مكبرات صوت مربوطة إلى جهاز تسجيل، مدوّن عليه عبارة أو عبارات تتكرر تلقائياً تنادي بالبضاعة المعروضة، وقد كان هذا محدوداً وفي بعض الأسواق، ثم أخذت هذه الظاهرة بالانتشار تدريجياً، وبعد أن أصبح سعر الجهاز ومكبرة الصوت زهيداً، حيث صار لدى أغلب أصحاب المحال والبسطات والسيارات التي تتجول في الأزقة لتبيع الفواكه والخضراوات مكبرات صوت، تصرخ بأعلى درجة فيها.. يضاف إليهم باعة الماء (الآرو) والغاز وغيرهم من الباعة، حتى أني قبل أيام شاهدت شاباً يتجول في الأزقة ويتمنطق بمكبرة صوت تنادي بمواد يرغب بشرائها، وهكذا صار هذا الضجيج مكملاً لضجيج المولدات الكهربائية، التي تنفت مع الصوت المدوي في البيوت، الدخان الأسود الذي صار جزءاً من مائدة العراقيين اليومية.
قبل أيام كنت أتحدث إلى بائع شاب صاحب بسطة للخضار اشتريت منه في الباب المعظم، ومن حوله تصرخ مكبرات الصوت، كل واحدة تنادي بشكل مستمر على البضاعة المعروضة. قلت للشاب؛ كيف تتحمل هذا الضجيج كل هذه الوقت؟ وكيف تصمد لحين عودتك إلى البيت؟.. أجابني وهو يقول ما معناه؛ وماذا أفعل!؟.. شيء آخر أكثر إيلاماً هو أني في إحدى المرات كنت في السوق القريب من بيتي، ذهبت لأشتري شيئاً ما، وقد لفت انتباهي إلى أن صاحبي محلين أو بسطتين للخضار متقابلتين يفصل بينهما نحو مترين، وأن كلاً واحداً منهما يبيع الخضار نفسها وينادي عليها بمكبرة صوت وبأعلى طاقتها، لدرجة أن الذي يمر من بينهما لا بد من أن يضع كفيه على أذنيه لتفادي الصوت العالي جداً، وقد خمّنت أنهما في خصومة أو عناد مع بعضهما، لأن من المستحيل أن يتحملا هما نفسيهما هذا الصوت الذي يدمرهما أيضاً!
السؤال الذي يطرح نفسه؛ هو أين الجهات الرقابية المعنية، ولماذا استشرت هذه الظاهرة وأصبحت جزءاً من ثقافة السوق العراقي، حتى أنك الآن إذا ما مررت مثلاً، ببسطات باب المعظم التي تفترش الأرصفة وصولاً إلى مدينة الطب ستجد أن هذه الأصوات ترافقك وبشكل مدمر للأعصاب ومثير للتقزز أيضاً، كونه يحصل في قلب العاصمة التي صار السيّاح يأتونها ويتجولون فيها، وأكيد ينقلون مشاهداتهم هذه لبلدانهم وربما يكتبونها..
أمانة بغداد.. لطفاً.. إذا كان منع هؤلاء الذين اكتسحوا الأرصفة من البيع، لكي لا تقطع أرزاقهم فهذا أمر مفهوم، لكن أن يتحول الرصيف والسوق البغدادي، إلى فوضى وصراخ بمكبرات الصوت، فهو ما لم تعرفه بغداد من قبل.. وعليكم أن توقفوا هذه الظاهرة.