
كتب نهاد الزركاني.. في تاريخ الأمة الإسلامية، لم يكن الصلح الذي وقعه الإمام الحسن مع معاوية مجرد حدث سياسي عابر، بل كان منعطفًا تاريخيًا يكشف عن أزمة عميقة في الوعي الجماعي للأمة. الأمة نفسها كانت المسؤول الأول عن أحداث التاريخ، إذ لو كانت على قدر المسؤولية لما وقعت الفتنة الكبرى ولما اجتاحت الأمة موجات من الظلم والاستبداد.
التاريخ يعيد نفسه في حاضرنا، حيث لا يزال القمع، المال، والتلاعب الديني أدوات يستخدمها الحكام لتدجين الشعوب وإبقائها في حالة من الخضوع واللامبالاة.
صلح الإمام الحسن: خطوة استراتيجية أو تنازل؟
الصلح الذي عقده الإمام الحسن مع معاوية لم يكن استسلامًا، بل كان خطوة استراتيجية مدروسة لإنقاذ الأمة من فتنة دموية لا طائل من ورائها. الإمام الحسن اختار الصلح ليس لأن المعركة كانت غير ممكنة، ولكن لأن الأمة لم تكن على مستوى تحمل المسؤولية، فكان لابد من خطوة تحفظ الدماء وتكشف زيف الحكم الأموي.
نزع الشرعية: القمع والمال وعّاظ السلاطين
معاوية لم يعتمد على القوة وحدها، بل استخدم المال والتلاعب الديني لتدجين الأمة وضمان سلطته. فقد ضحّى بالقيم الإسلامية وفتح الباب أمام الوراثة السياسية، التي خالف بها مبادئ الشورى، وزوّر الدين لصالحه. وعّاظ السلاطين ساعدوا في فرض فكرة الطاعة العمياء للحاكم، مما جعل الأمة تتخلى عن وعيها وتقبل بالمستبدين كأمر واقع.
الأمة: شريك في صناعة الفتنة
عندما نتأمل في هذه الأحداث، نكتشف أن الأمة كانت شريكًا رئيسيًا في استمرار هذا الواقع المؤلم. فالصمت واللامبالاة جعل من السهل على الحكام أن يفرضوا سلطتهم. عدم تحمل الأمة لمسؤولياتها أدى إلى انقسامها وافتقادها للوعي الكافي للتفرقة بين الحق والباطل. لو كانت الأمة في تلك اللحظة قد تخلت عن التواطؤ وقررت التصدي للظلم، لما كانت الأحداث قد آلت إلى هذا الحد.
التاريخ يعيد نفسه اليوم
اليوم، نعيش في واقع مشابه. الأنظمة الاستبدادية لا تزال تستخدم نفس الأدوات التي استخدمها معاوية: المال، القمع، والتلاعب بالدين. الأمة العربية اليوم، كما كانت في الماضي، تتعامل مع التحديات بعقلية اللامبالاة أو الخوف. لكن، كما سقط الأمويون في النهاية، فإن أي سلطة قائمة على الخداع لا تدوم. اليوم، كما كان الحال في الماضي، الشباب هم القوة التي يمكن أن تعيد للأمة وعيها وتوقظ فيهم الشعور بالمسؤولية.
الدرس الأهم
الدرس المستفاد من تاريخنا هو أن الأمة إذا لم تتحمل مسؤولياتها في الوقت المناسب، فإنها ستظل تدفع الثمن غاليًا. ومع ذلك، يبقى الأمل في أن الشباب الرسالي الواعي بما يحدث ويحاك للأمة وسيكونون هم من يحملون شعلة التغيير ويعيدون الأمة إلى الطريق الصحيح. الوعي والتصدي للظلم هما السبيل الوحيد لتغيير الواقع.
ختامًا: التاريخ لا يرحم، لكنه في ذات الوقت يعلمنا أن الأمة إذا ما استفاقت من سباتها وعادت إلى مبادئها الحقيقية، ستتمكن من استعادة زمام الأمور وتحقيق التغيير المنشود