نرمين المفتي
اقتبس كتاب عديدون مسرحيات من مسرحية صاموئيل بيكيت الأشهر (في انتظار غودو) التي عرضت في ١٩٥٣، لكن مسرحية (غودوت أين أنت؟) التي كتبتها وأخرجتها عواطف نعيم بدت لي الأقرب إلى ثيمة بيكيت وهي الانتظار برغم معرفة المنتظرين بأنه غير مجد، وهناك بعض فرح وبعض إرادة ليوم آخر برغم اليأس والبحث عن الخلاص في عدمية الحياة إزاء أحبة رحلوا مرغمين في عبثية يبدو لا حل لها في الأفق، حولت عواطف نعيم أبطال مسرحية بيكيت إلى منتظرات، حبيبة لحبيبها وأم لابنها وزوجة لزوجها ومعها ابنتها التي تنتظر بدورها والدها والممثلات اللاتي قمن بالأدوار هن شذى سالم وسمر محمد وشيماء جعفر وريتا كاسبير، وكن مبدعات بالاعتماد على الحركة ونبرة الصوت وأكثرهن إبداعاً كانت سمر محمد، فقد تمكنت من السيطرة على لغة وجهها التي قالت أفضل من الكلمات، ولأول مرة أشاهد الممثلة الشابة ريتا كاسبير التي تبدو موهبة حقيقية وإذا وجدت من يصقل هذه الموهبة فان المسرح العراقي سيكسب ممثلة كفوءة، المنتظرات أو الممثلات الأربع كن قريبات إلى الواقع برغم الانفعالات التي يتطلبها الدور
طبعاً لا بد من الاشارة إلى السينوغرافيا والإضاءة والصوت والموسيقى، فقد نجح الفنيون كلهم برغم صغر مساحة المعهد وكذلك القاعة بعدد كراسيها المحدود، بكلمات قليلة، المسرحية كانت ناجحة وكأن بيكيت كتب غودو للعراقيين، وفي ختام المسرحية نتأكد جميعاً أن هؤلاء السيدات، مثلهم مثل العراقيين أجمعهم، لا حل لهن سوى انتظار ما سيأتي وآمل أن ننجح في مهمة الانتظار الموجعة هذه، وان يأتينا الذي ننتظره وهو الخلاص من هذه الفوضى التي تصر على الاستمرار في قولها إن لا أحد يفكر بالبلد او بالشعب الذي حولوه إلى مكونات لا غير..
المسرحية قدمها محترف بغداد المسرحي الذي أسسه ويشرف عليه الممثل والمخرج البارع عزيز خيون بالتعاون مع المعهد الفرنسي في العراق، وهنا لا بد من القول إن هذا المعهد ومنذ تسعينيات القرن الماضي وبرغم ظروف العراق كان سباقاً دائماً إلى رعاية الكثير من النشاطات الثقافية ونجحت واستمرت، وليست (غودوت أين أنت؟) التجربة الاولى لمحترف بغداد الذي يؤكد بعمل بعد آخر بأنه جاد في الحفاظ على سمعة المسرح العراقي العتيد وبالبحث عن الأفضل لتقديمه فضلا عن تقديم وجوه جديدة لصقل مواهبها.
كان اليوم الاول للعرض في ٢٧ آذار، أي في يوم المسرح العالمي، ويبدو أن وزارة الثقافة لم تقم بأي نشاطات لهذا اليوم بدليل حضور عدد من الممثلين المسرحيين العرض. عواطف نعيم وهي ترحب بالحاضرين، طالبتهم بعدم مغادرة القاعة عند انتهاء العرض لوجود مفاجأة..
وكانت المفاجأة صعود اربك شوفالييه، السفير الفرنسي لدى بغداد على المسرح، ليوشح عواطف نعيم نيابة عن وزير الثقافة الفرنسي بوسام الفنون والآداب الفرنسي والذي يمنح لأصحاب المنجزات الفنية والأدبية المبدعة في فرنسا والعالم، وقرأ شوفالييه قرار منح الوسام، مشيراً إلى منجزات نعيم الإبداعية كممثلة ومخرجة وكاتبة وباحثة أكاديمية على مدار ٤٠ سنة وأعتقد هي أول شخصية عراقية مبدعة تأخذ هذا الوسام الذي يعتبر عالمياً أرقى تكريم لمبدع لمنجزه كله، فمبارك لعواطف وفعلاً تستحق هذا التكريم ومبارك للمسرح العراقي، وأكرر امنيتي أن يأتي الذي ننتظره ونكذب بيكيت الذي قلت في مقال سابق بأنه لو عاد بمعجزة إلى الحياة سينحني طويلاً لمسرحية العبث العراقية المستمرة وسيشعر بالإرباك لأنه هو مبتكر مسرح العبث ولم يتمكن من كتابة مسرحية بهذه (الجودة).
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
و لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
و لا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز