العراق وسوريا.. حتميَّة التواصل وضرورته
كتب عبد الأمير المجر: من يتابع العلاقة بين العراق وسوريا، عبر القرن الماضي، سيجد أنها في أغلب الأوقات كانت غير جيدة، بل في بعض الأحيان كانت إلى العداء أقرب من أي وصف آخر .. والسبب الرئيس هو عدم رغبة الكبار في حصول تواصل حقيقي بين البلدين لحسابات جيوسياسية بعيدة، فالعراق الذي يتمتع بثروات هائلة وشعب كبير نسبياً، يجب ألا تتكامل أسباب قوته هذه بإطلالة على البحر الأبيض المتوسط.
وأن يكون هناك حاجز قائم ومستمر بين الخليج والمتوسط، من خلال إبقاء البلدين في حالة خصومة وتنافر، صنعت له أسباب كثيرة وتتجدد مع كل مرحلة بما يناسبها!، إلّا أن هذا لم يمنع من تواصل نسبي بين الشعبين من خلال نشاطات تجارية محدودة، لا سيما في سني تسعينيات الحصار، ظلت من دون غطاء سياسي متين، وما حصل بعد العام 2003 من تذبذب كبير في العلاقة، يعود لمن يقرأ بعمق إلى السبب الجيوسياسي نفسه، الذي رسمه الغرب وتحديداً أمريكا وبريطانيا، بوصفهما الدولتين الأكثر نفوذاً في المنطقة، ومن صنعا واقعها السياسي الحديث وتحكما بها بشكل أو بآخر.
لقد كان الشعب العراقي بشكل عام مرتاباً وخائفاً من أنشطة الفصائل المسلحة التي واجهت النظام السوري أثناء ما عرف بالربيع العربي، كون أغلبها ذا بعد ديني متطرف، وأن شعاراتها ومشروعها يتجاوز الحدود السورية، والعراق الذي بالكاد تنفس الصعداء بعد سنين من الإرهاب المرعب، رأى فيها تحدياً كبيراً لأمنه واستقراره، وكانت له مواقفه المعروفة في حينه، لحين الهدوء النسبي الذي عاشته سوريا قبل أن يفاجأ الجميع بانهيار النظام السريع مؤخراً، لكن الجميع أيضاً يعرفون أن الأجندة، التي كانت وراء الفصائل المسلحة أثناء (الربيع العربي)، لم تعد قائمة اليوم ليس لأن ثقافة الفصائل تغيرت، بل لأن اللعبة السياسية التي تنفذ بواسطتها في المنطقة تغيرت، وأن مشروعاً جديداً للمنطقة بدأت ملامحه تتبلور بعد عملية (طوفان الأقصى)، وما جرته من حرب على غزة ولبنان والنتائج التي وصلت إليها المنطقة على خلفية تلك الحرب، التي استدعت تحالفات دولية وإقليمية جديدة، كان من أبرز إفرازاتها إسقاط النظام في سوريا ورسم صورة ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد…
لقد كان الموقف الرسمي للعراق من تطورات الأحداث في سوريا قبل سقوط النظام يتسم بالحكمة، لإدراكه أن لا جدوى من تدخل يعقد علاقة العراق بسوريا القادمة، وربما بقوى دولية وإقليمية له مصلحة بعلاقة جيدة معها، على الرغم من تفاوت المواقف داخل المشغل السياسي العراقي بشكل عام مما حصل في سوريا مؤخراً..
اليوم يجد كل من العراق وسوريا وكذلك القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في المنطقة، أن علاقة جيدة بين العراق وسوريا باتت ضرورية للجميع، لأنهم لا يريدون أن يخسروا مشروعهم في سوريا الجديدة، التي قدمت نفسها للعالم بصورة مختلفة، عما كان عليه القوى أو الفصائل التي تسلمت السلطة فيها، وأن نجاح المشروع الجديد يعني نجاحاً لها، ولذلك لا بد من ضبط المعادلة السورية الداخلية، بعيداً عن الحدة العقائدية السابقة.
وأيضاً ضبط المعادلة الإقليمية وأبرزها العراق، البلد المؤثر، من خلال إقامة علاقة جيدة معه وهو ما يدركه العراق، الذي يرى أن الآخرين باتوا بحاجة إليه بقدر حاجته إلى تجنب الصدام معهم، وهو ما فعله أثناء إحداث التغيير في سوريا وبعدها.
من هنا فإن معادلة العلاقة الجديدة مع سوريا، يجب أن تقوم على أسس من المصالح المشتركة بين البلدين والشعبين، لأن كلا منهما يمثلان عمق الآخر، وألّا يذهب أي منهما وراء أخيلة أو شعارات طوباوية، لم تعد لها قيمة في عالم اليوم.