العرب بين النكسة والفرصة

كتب عبد الأمير المجر: لم يختلف اثنان على أن الذي حصل للبلدان العربية خلال العقدين الماضيين، كان أكبر نكسة في تاريخهم المعاصر، وأنها تجاوزت نكسة حزيران 1967 بحجمها وتداعياتها المختلفة الكبيرة، وأن تجاوزها يحتاج إلى زمن غير قليل.
ولكن يبقى الأهم هو قراءة الأسباب التي وقفت وراءها، ثقافياً وسياسياً وغير ذلك، لأن إغفال قراءة الأسباب يجعل تكرارها أمراً ممكناً، وهو ما ينبغي على النخب العربية من مثقفين وساسة وغيرهم أن يعملوا عليه، أي العمل على خلق الفرصة من وسط هذه النكسة، كون العنصر الأهم متحققاً هنا وهو رغبة الناس في تجاوز الألم، لا سيما بعد أن عرف الجميع تقريباً أسبابه، والمتمثلة بغياب مشروع عربي واقعي، طيلة العقود الماضية، يعزز العلاقات بين الشعوب ويعمل على خلق نوع من التكامل بين الدول العربية، بعيداً عن المزايدات المتبادلة التي تسببت في صراعات بينية، فرضت قطيعة قسرية على الشعوب وانتهت بها إلى ما انتهت إليه، ولعلها اليوم تقف أمام السؤال الأكبر وهو؛ كيف السبيل إلى الخلاص؟.
لا شك أن الطريق الخطأ الذي سلكته أغلب الأنظمة العربية في مرحلة عالمية اتسمت بالحماسة والراديكالية، هو ما ينبغي على الجميع اليوم عدم العودة إليه، لأن الطريق السليم بات واضحاً وهو بالتأكيد أقل كلفة على الأنظمة والشعوب معاً، أي ترك كل بلد عربي أمام خياراته الخاصة في نوع الحكم والثقافة السياسية، التي يتبناها من دون منح أي نظام عربي آخر حق الوصاية عليه أو التدخل في شؤونه الداخلية، لأن هذه الثغرة هي التي كانت وراء الصراعات، التي تسببت بكوارث متلاحقة أوصلتنا جميعاً لهذه الحال.
لو تعاملت الأنظمة العربية منذ الستينيات (الفترة التي شهدت صعود الأنظمة الراديكالية) حتى اليوم وفق هذا المبدأ، لتجنبنا صراعات مكلفة، سال بسببها الكثير من الحبر في محاولة من المثقفين والإعلاميين العرب لتقصي الأسباب التي راحت الأنظمة تجتهد في طرحها لتبرر مواقفها، وضاع زمن طويل وهدرت أموال كثيرة، والأهم من ذلك، فقدنا الكثير من الأرواح وصنعت الكثير من الحواجز التي جاءت أحداث العقدين الأخيرين، لا لتهدمها في ما بيننا، بل لترينا حجم الكارثة التي صنعناها لأنفسنا وأين أوصلتنا تداعياتها.
البلدان العربية اليوم بحاجة إلى فترة نقاهة بقدر حاجتها إلى أنظمة تدرك ذلك، وتعمل على جعل هذا الدرس التاريخي القاسي والكبير، بمثابة فرصة جديدة لبناء علاقات قائمة على مبدأ احترام الخيارات وتبنّي مبدأ التكامل ولو نسبياً، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، بما يحقق فائدة للشعوب، بعيداً عن أهواء الأنظمة واختلاف توجهاتها، وإن هذا ليس بالمستحيل أو الصعب، وأن تكون هذه المسألة في صميم محاور القمم العربية القادمة، والابتعاد عن المناكفات والتخوين المتبادل، الذي جعل القمم السابقة أو أغلبها مجرد لقاءات دورية بلا لون أو طعم أو فائدة، أو هكذا ظلت الناس تقول عنها!.