كتب عبد الأمير المجر: من يتجول في بغداد اليوم، سيجد أن المدينة تتغير بشكل لابأس به على مستوى العمران، والشارع البغدادي يستعيد الكثير من حيويته السابقة بشكل واضح، ترى كيف حصل هذا وما الأسباب التي تقف وراءه وهل بالإمكان استمرار هذا الدفق؟..
قبل أيام كنت في منطقة الحارثية لأمر ما، وقد أفرحني مشهد العمران الذي اكتسح جانبي الشارع الرئيس هناك، عمارات حديثة وجميلة مكتملة وأخرى قيد البناء ومشاريع مختلفة من مرائب وأسواق وغيرها، جعلت المنطقة المعروفة أصلاً بحيويتها، أكثر حيوية وجمالاً وكذلك الأمر في الكاظمية والكرادة ..
الأمر لايختلف مع الأعظمية التي كنت أتجول فيها بمعية صديق قبل أيام، وتحديداً في شارع الضباط، وقد أدهشنا العمران الحديث والنشاط التجاري الذي لانعتقد أن شارعاً في العراق يوازيه من حيث الكثرة ورصانة المحال بالإضافة إلى جمال المباني والنظافة .. كل هذا نهض به القطاع الخاص الذي يمثل الخط الثاني أو الثالث في مجاله، قياساً بالمستثمرين الكبار الذين يقومون الآن ببناء المجمعات السكنية الكبيرة في بغداد وغيرها..
وفي اعتقادنا أن الأقرب إلى خدمة الناس والأكثر أهمية بالنسبة لهم في الوقت الحاضر، هو قطاع الخط الثاني أو الثالث الخاص هذا، إن جاز لنا تصنيفه، كونه بالإضافة إلى ما يوفره من خدمات للمدن، يوفر أيضاً فرص عمل كثيرة ويحرك السوق، وهذا ما لاحظناه أثناء تجوالنا حيث مئات العمال الذين يشغلون المقاهي والمطاعم والمحال التجارية الأخرى، منذ الصباح إلى أوقات متأخرة من الليل..
وكل هذا تحقق بفضل استتباب الأمن الذي أطلق أيادي أصحاب رؤوس الأموال ممن لم يتجرأ أحد منهم على إقامة أي مشروع تجاري مهما كان صغيراً أيام الفوضى وانعدام الأمن في السنين الماضية.. ولعل من بين أهم أسباب نهضة الأماكن التي ذكرناها وغيرها من مناطق العاصمة، هو أن يد الفساد باتت قصيرة نسبياً فيها قياساً بمناطق أخرى تفتقر للحيوية وتعم الفوضى أسواقها، وكذلك حركة المرور فيها، ما أربك إيقاع الحياة بشكل عام وجعلها تتسم بالكآبة وقلة فرص العمل ..
نرى أن الدولة لابد لها من أن تلتفت لهذه الجنبة الاقتصادية المهمة، أي يجب أن تنهض المؤسسات المعنية بمسؤولياتها بشكل يشجع القطاع الخاص، للحضور في المناطق المهملة، وفي مقدمتها تهيئة البنية التحتية وتنظيم الأمكنة وإعادة تمدينها، بعد أن تريَّفت بشكل غير مسبوق لإلحاقها ببقية مناطق العاصمة، لاسيما تلك التي أشرنا إليها.
يحضرني وأنا أكتب عن هذا الأمر ما أراه بشكل مستمر في مدينة الصدر التي أذهب إليها بين مدة وأخرى لزيارة الأهل هناك، وتحديداً القطاعات الأخيرة التي تعيش كأنها خارج التاريخ، حيث الإهمال والفوضى وغياب النظافة والمؤكد غياب فرص الاستثمار، لأن أحداً من المستثمرين لايمكنه الذهاب بأمواله إلى أرصفة تركل أقدام المارة!
وبالنتيجة ترى الحياة فيها شبه متوقفة والشباب أغلبه عاطل، ولعل منظر بسطات الخردة التي تكتسح الشارع بجانبيه تختصر واقع تلك المنطقة وحياة أهلها .. لقد تسبب الفساد في إهدار أموال طائلة كانت قد خصصت لإصلاح الشوارع والخدمات الأخرى، لكنها اختفت وأبقت الخراب وحده شاهداً على ذلك.
نرى أن أولى خطوات الإعمار تبدأ بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تبثُّ الروح في أي بقعة، وأن روح بغداد لن تعيدها غير تلك المشاريع، وأن من يتجول في بغداد اليوم ويرى ما تحدثنا عنه سيتأكد مما نقول، وسيشاركنا ما نتمنى لبقية مناطق عاصمتنا الحبيبة وكل مدن العراق ..