المجتمع المغلق.. والمجتمع المفتوح
كتب د. يحيى حسين زامل: كثيراً ما يتساءل البعض، أي نوع من المجتمعات نحن ؟ ويُطرح هذا في بعض الندوات العلمية، أو في شكل مقالة، أو خاطرة تخطر على باله في لحظة تأمل وصفاء.
وكثيراً ما يرجع بعضهم إلى آراء (الوردي وشاكر مصطفى سليم والطاهر والكعبي والبياتي والنوري) وغيرهم، ومع كل هؤلاء يبقى السؤال يبحث عن جواب جديد لظهور ظواهر وانساق وأنظمة مستحدثة؛ نتيجة تطور الحياة والمجتمعات في تسارعها المذهل الذي شغل العقل البشري، واحاله إلى قطعة من حجر فوق رقعة شطرنج تحركه الأيدي كيفما تشأ.
ولعل من المناسب في فضاء هذا الحراك تقسيم المجتمعات إلى (مجتمع مغلق.. ومجتمع مفتوح ) رجوعا إلى توصيف «هنري برجسون» (فيلسوف فرنسي/ 1859- 1941) في كتابه «منبعا الأخلاق والدين»، إذ قسم المجتمع إلى هاتين الصفتين نتيجة تصورات حملها في ذهنه عن تلك المجتمعات. وسنذكر تعريفات تلك المجتمعات لنعرف في أي مجتمع نحن، أو على الأقل القريب منه، ولنبدأ بالمجتمع المغلق إذ يراه.
بأنه: (ذلك المجتمع الذي يتماسك أفراده في ما بينهم غير حافلين بسائر الناس، وهم على استعداد دائم للهجوم أو الدفاع أو القتال، ويخضعون للغريزة، وذلك هو المجتمع الإنساني الأول). وهنا يجب الانتباه إلى كلمة «الغريزة» بوصفها دالة بارزة للمجتمع المغلق. وأما «المجتمع المفتوح» فهو (ذلك المجتمع الذي ينفتح على التجارب الاجتماعية والدينية كلها، ويتعاطف مع سائر التيارات الروحية ويستشعر بالأخوة الإنسانية الجامعة للناس على اختلاف الأزمنة والأمكنة).
وفي نظرة متأملة لهذين التعريفين سنجد إننا قريبون من «المجتمع المغلق» الذي يتبع الغريزة ويرفض الآخر المختلف، على الرغم من أن تعاليم الأديان التوحيدية المختلفة والأنظمة المدنية السائدة تشجع على تقبل الآخر، واختلاف دينه وعرفه وثقافته مبرزة «التقوى» كمقياس للنوع البشري في المجال الديني؛ كما في جاء في الحديث النبوي الشريف (إن أكرمكم عند الله اتقاكم). ولم يقل ابن عمكم أو عشيرتكم أو قوميتكم أو غيرها من التقسيمات التي تغلق وتحدد الإنسان عن الانفتاح على الآخر إلا بوصفها معرفات. إن المجتمع القائم على «الغريزة» لا العقل من المؤكد أنه يمتاز بالتعصب، ويتسيّد فيه الثأر والحميّة والوقوف مع الجماعة ظالمة، أو مظلومة محقة أو مبطلة، وربما لا يكلف الفرد نفسه عندما تواجهه مشكلة ما؛ عن السؤال والتحقق إلا بعد أن تنتهي الكارثة وتزول الحجب ويقع المحذور.
لذلك جاء الإسلام بمفهوم «الأمة» كمعيار لتجمع البشر، عابراً القبيلة والعشيرة والقوميات والإثنيات، لأن الأمة تجمع الكثير من التقسيمات المختلفة. وجاء المجتمع المفتوح بـ «المجتمع المدني» الذي يعطي الحريات الواسعة في الاعتقاد والعمل والسكن والعيش، ولكن واقع الحال ينبئ إلى أننا لم نكن مجتمعا أممياً، أو مجتمعاً مدنياً، وبقينا في مرحلة تسوقنا الغريزة، وتجمعنا الحميّة، بوصفنا جماعات متفرقة، تعصف بنا الأزمات والرياح كيفما تشأ.