منوعات
أخر الأخبار

النمل يصنع حليبًا لصغاره.. وللكبار أيضًا

تفرز خادرات النمل سائلًا مغذيًا يساعد في إطعام بقية المستعمرة.. وربما يؤدي دورًا في تطور بِناها الاجتماعية، رصد الباحثون لأول مرة عددًا من النملات يفرزن سائلًا شبيهًا بالحليب، يغذي نمل المستعمرة.

 

يوضح البحث المنشور في دورية «نيتشر» Nature أنَّ خادرات النمل -أي النمل في طور التشرنُق، وهو طورٌ من أطوار النمو يتسم بالخمول عمومًا- تنتج سائلًا غنيًّا بالمغذيات، تتغذَّى عليه اليرقات والنمل البالغ على حدٍّ سواء.

تعتمد اليرقات التي فقست حديثًا على هذا السائل للبقاء على قيد الحياة والنمو، مثلما تعتمد الثدييات الوليدة على حليب الأم، وإذا لم تستهلك اليرقات والنمل البالغ هذا السائل، فإنه يتراكم، ويتلوث بالفطريات التي تفتك بالخادرات.

عن هذا الاكتشاف تقول أورلي سنير، اختصاصية البيولوجيا بجامعة روكفلر في نيويورك التي شاركت في وضع الدراسة: “لقد حددنا آليةً تُوحِّد المستعمرة، إذ تربط بين النمل في مختلِف مراحل نموه، النمل البالغ واليرقات والخادرات، ليصبح وحدةً واحدةً متماسكة أشبه بكائن فائق”، وتقول باتريزيا ديتور، باحثة سلوك الحيوان بجامعة السوربون باريس نورد في فرنسا: “المثير للعجب حقًّا أنَّه لم يلتفت أحدٌ إلى ذلك من قبل؛ إذ كان يُعتقد أن الخادرات عديمة الجدوى [لأنها] لا تتحرك؛ ذلك أنها تتشرنق في بعض الأنواع، ولا تأكل، ولا تتحرك إلا إذا حرَّكَتْها عاملات [النمل]، ومن ثمَّ فلم يكن من المتصوَّر أن تُسهم بأي دور في مجتمع النمل، لكن هذه الدراسة تثبت خطأ هذا التصوُّر”.

توصلت سنير وزملاؤها إلى هذا الاكتشاف عن طريق عزل النمل المهاجم النسيلي Ooceraea biroi في أطوار حياته المختلفة، وملاحظته للنظر فيما يجعل مستعمرات النمل على هذه الدرجة العالية من التكامل.

وفي أثناء ملاحظة خادرات النمل، فوجئ الباحثون برؤية قطرات من سائل تظهر على حواف بطونها، وعندما تراكم هذا السائل، غرقت فيه الخادرات، لكنها نجت من الموت حين أُزيل عنها، ومن خلال حَقن الخادرات بصبغة طعام زرقاء، وتتبُّع مآلها، تبيَّن للباحثين أنَّ النمل البالغ يتغذى على السائل عند إفرازه، كما يساعد اليرقات على أن تتغذى عليه عن طريق حملها إلى الخادرات، مما يحُول دون تراكُم السائل، تقول سنير: “وهكذا، يظهر أن النمل البالغ يتولى أدوارًا تدخل في باب الرعاية الأبوية؛ إذ ينظف الخادرات، ويأخذ اليرقات إليها لكي تتغذى”.

فحص الفريق التركيب الجزيئي للسائل، وحدد 185 من البروتينات التي تدخل في تركيبه، إضافةً إلى ما يزيد على 100 من العناصر الأيضية الأخرى، كالأحماض الأمينية والسكريات والفيتامينات، تشير المركبات التي تعرَّف عليها الباحثون إلى أنَّ السائل مشتق من سوائل الانسلاخ التي تفرزها اليرقات حين تطرح عنها غشاءها الخارجي وهي تنمو لتصبح خادرة، وعن هذا تقول أدريا لوبوف، اختصاصية البيولوجيا بجامعة فريبورج في سويسرا: “هذه العملية بمنزلة إعادة تدوير انتفاعية يقوم بها النمل داخل المستعمرة… كما أنها تنطوي على تقسيم للعمل الأيضي”.

وجد الباحثون أيضًا «حليب» الخادرات لدى أنواع تنتمي إلى كبرى عائلات النمل الفرعية الخمس، مما يدل على أنه ربما يؤدي دورًا في تطور البنى الاجتماعية للنمل، يقول دانيل كروناور -اختصاصي البيولوجيا في جامعة روكفلر- عن هذا السائل: “إنه تطوَّر بعد فترة قصيرة من تحوُّل النمل إلى كائنات تعيش في مجتمعات حقيقة، أو ربما قبل أن يصبح النمل كائناتٍ اجتماعية”.

يتجه الفريق الآن إلى دراسة ما قد يكون لإفرازات الخادرات من آثارٍ على كلٍّ من النمل البالغ واليرقات من جانبي السلوك ووظائف الأعضاء، يقول كروناور: “لا يبعُد أن تكون مسألة [نمو] اليرقة لتصبح ملكة أم عاملة محكومةً بمقدار ما تحصل عليه من هذا السائل”.

وقد أعرب كارشتن شونروجه -المتخصص في علم الإيكولوجيا في المركز البريطاني للأنظمة الإيكولوجية والهيدرولوجية في والينجفورد- عن رغبته في رؤية أبحاث تُجرى لدراسة “ما إذا كانت إفرازات الخادرات تفيد أيضًا في نقل مجتمعات الميكروبات المعوية التي تساعد النمل على هضم الغذاء”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى