أقيمت صلاة الجمعة العبادية بإمامة فضيلة الشيخ جعفر الربيعي، في كربلاء المقدسة بجامع جنات النعيم.
وافتتح الشيخ خطبته بقول الله عز وجل: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (179) الأعراف
السفر إلى الله تبارك وتعالى والسعي للوصول إلى قربه ورضوانه يحتاج إلى معرفة, معرفة بالطريق وبداية الانطلاق والحركة والمقصد والمنتهى (واقصد بالحركة هي المعنوية وليست المادية), عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السَّلام ) أَنَّهُ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِ : ” … ياكُمَيْلُ مَا مِنْ حَرَكَةٍ إِلَّا وَ أَنْتَ مُحْتَاجٌ فِيهَا إِلَى مَعْرِفَةٍ .
وقال: “السير على غير الطريق لا تزيد الإنسان إلا بعداً, الَ الإمامُ جَعْفَر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) : ” الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ لَا تَزِيدُهُ سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلَّا بُعْدا ” .
الحديث المتقدم صورة تشبيهية، حيث تقارن بين السائر على غير طريق، وبين العامل على غير بصيرة اي: المقارنة بين من لابصيرة له في الدين، وبين السائر في طريق لايعرف مداه، بحيث کلما سار ازداد بعداً، ولايصل الى هدف، ان هذا التشبيه من حيث الدلالة لا ضبابية فيه، ومن حيث البلاغة ينطوي على طرافة وعمق ونکات مهمة بالنسبة الى من لايأخذ مصادر سلوکه من مصادره التي أمر بها الله تعالى وهي: اطاعة الله تعالى والرسول (صلى الله عليه وآله) واهل البيت عليهم السلام، حيث تعرف ان من يتجه الى غير ما أمر به الله تعالى من الطاعة له تعالى والطاعة للرسول (صلى الله عليه وآله) والطاعة لاهل البيت عليهم السلام”.
وتابع: “والله تبارك وتعالى زود الإنسان بكل أدوات المعرفة التي تؤهله للسير والتكامل والوصول في طريق ذات الشوكة.
وكلّ من تعثر في الوصول أو ابتعد عن الطريق أو سقط في هاوية النفس الامارة والشيطان الرجيم, إنما بسبب تعطيل المنظومة المعرفية التي زود بها الفرد, قال تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا)”.
وتطرق الشيخ بخطبته المباركة إلى تقوية البصيرة فقال :
العامل المهم في هذا السعي لاسيما عندما تُقبل الفتن كقطع الليل المظلم فتزل قدم بعد ثبوتها, هو البصيرة التي تاخذ بيد المسلم إلى الصراط المستقيم.
البصيرة هي البينة والدلالة التي يبصر بها الشيء على ما هو به، والبصائر جمعها. وقيل: البصيرة للقلب كالبصر للعين, فالبصيرة نور القلب به يَستبصر، كما أنّ البصر نور العين الذي به تُبصر، ومن المجاز: البصيرة: البيان، والحجّة الواضحة.
وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في عدّة آيات شريفة بمعنى الحجج الباهرة على وحدانيّة الله سبحانه وتعالى وانتفاء الشريك عنه، وهي ضدّ العمى، والنسبة بينهما نسبة العدم والملكة يوجدان فيمن له قابليّة الإبصار.
طرق تحصيل البصيرة :
1- المحافظة على الأوامر الإلهية من مستحبات وواجبات تعطي البصيرة للإنسان، ورد في الحديث النبوي: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها».
2- العمل بما تعلم يرزقه علما وبصيرة نافذة، ” من عمل بما علم اورثه الله علم ما لا يعلم “.
3- اجتناب محارم الله تبارك وتعالى مع الالتزام بأوامره وهي حقيقة التقوى التي هي عماد البصيرة، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) الانفال.
4- مجاهدة النفس والإخلاص في المجاهدة لوجه الله تبارك وتعالى، (﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾.
5- ومن موجبات البصيرة الاستفادة من المواعظ والعبر وتذكّر أيام الله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 43].
الإحساس بالفراغ وخلوّ الحياة من المعنى واحدة من أهم الأزمات التي تعصف بالفترة المعاصرة من تاريخ البشرية, وعلى حدّ قول أريك فروم عالم النفس الألمانيّ: (لا يشعر الإنسان المعاصر بالأمان, بل يشعر في أكثر أوقاته بالحيرة والضياع, هو يعمل بشكل دائم, ولكنّه يشعر بعبثيّة ما يفعله بشكل مستمرّ).
ولفت الشيخ إلى أنه “يرى عدد من علماء النفس أنّ الإدمان على الموادّ المخدّرة ما هو إلا وسيلة من الوسائل التي يستخدمها بعض الناس للفرار من هذا الإحساس.
وعلى أيّ حال, فإنّ من أهمّ آثار الدين ونتائجه إضفاءه على الحياة الإنسانية معناها.
يقول الشهيد مطهري: (العالم الالهيّ هو عالم الخير والوجود والوحدة والانسجام……وكلّ موجود في أيّ مرتبة كان يتناسب مع رتبته الوجوديّة وقدرته على استيعاب الفيض الإلهي, وهو يتوفّر على ما يليق به من الهداية الإلهيّة التي يسمّيها القران بالوحي….وإرادة الله وقضاؤه وقدره, وفق هذه الرؤية الكونيّة الإلهيّة, اقتضت خلق العالم بصورة منظّمة محكومة لمجموعة من القوانين والسنن التي تجري على كل شيء).
وبحسب هذه النظرة إلى الوجود وحدها, يمكن وصف الكون بأنّه النظام الأحسن وبأنّه أفضل العوالم الممكنة وهذه الرؤية هي التي تنشر على صاحبها السكينة والاطمئنان”.
وأضاف الشيخ: “الاعتقاد بوجود الله العالم بكل شيء والقادر على كل شيء, يسهم بدرجة كبيرة في التخفيف من قلق الإنسان من المستقبل وما يخفيه له, فالإنسان المؤمن بالله, لا يفكّر سوى في أداء التكليف والقيام بالواجب, ولا يلتفت كثيراّ إلى النتائج التي تترتّب على فعله في الحياة الدنيا. الإنسان المتديّن يتقبّل النصر والهزيمة, والرفاه والضيق المادي والبؤس, وهو يظهر الاستعداد لتحمّل ذلك كلّه دون أن يتخلى عن العمل, بل إنّ التجارات ربحاً في نظر المؤمنين هي الصبر على تجرّع الآلام والمصائب في الدنيا طلباّ للراحة الأبديّة في العالم الآخر.
مثاله : السيّدة زينب عليها السلام حين سألها ابن زياد عليه اللعنة بعد واقعة كربلاء: (كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟), فأجابت برباطة جأش ونفس كبيرة: (ما رأيت إلا جميلاً ).
وعلى هذا الأساس لا يهتمّ بما يصيبه في طريق أداء الواجب على قاعدة (سواء وقعنا على الموت أم وقع الموت علينا), فالنصر والشهادة بالنسبة له كلاهما نتيجة وأثر يترتّب على ما هو المطلوب وهو القيام بما يجب القيام به, وهذا ما يكشف عنه قوله تعالى (قل هل تربصون بنا إلى إحدى الحسنيين)”.
تصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز