كتب نجاح العلي: العشوائيات موجودة في العديد من الدول الفقيرة والنامية، التي تعاني من الفقر والجهل وضعف البنى التحتية والهجرة من الريف إلى المدينة والبطالة والتضخم وارتفاع أسعار الوحدات السكنية، ما يضطر السكان إلى الاستيلاء على الأراضي المملوكة للدولة أو تحويل الأراضي الزراعية رخيصة الثمن نسبياً، إلى تجمعات سكنية تفتقر إلى البنى التحتية والخدمات العامة من ماء وكهرباء ومجاري صرف صحي نظامية ومدارس ومتنزهات.
أما العشوائيات في بلدنا فقد اتسعت بشكل كبير بعد عام 2003 باستغلال البعض الوضع الأمني المضطرب واستخدام معسكرات الجيش المنحل في حينها، والفرق الحزبية والأبنية الحكومية والأراضي المملوكة للدولة، كتجمعات سكنية عشوائية دون حسيب أو رقيب، وتتنامى فيها مكبات النفايات وتربية الأغنام والمواشي، وامتهان التسول والسرقة ضمن الأحياء والمناطق السكنية القريبة منهم.
بيانات ومعلومات صادمة عن واقع العشوائيات (أو ما يطلق عليها شعبياً بمفردة الحواسم) في البلاد، والتي تحتاج إلى وقفات وحلول ومعالجات سريعة فتخيلوا أن 10% من سكان العراق يعيشون في العشوائيات، وتأتي بغداد في مقدمة المدن العراقية في عدد العشوائيات بواقع 4679 تجمعاً عشوائياً، وتشكل ما نسبته 23% من سكان العاصمة تليها محافظة البصرة، التي تضم 715 تجمعاً عشوائياً، ثم النجف التي تضم 98 تجمعاً عشوائياً، ناهيك عن تواجد أسواق ومخازن وورش عمل ومراكز ترفيهية، ومناطق صناعية عشوائية.
بالإمكان هنا الاستفادة من التجارب الدولية والعربية في التعامل مع العشوائيات، التي باتت تشكلة معضلة في التأثير على التصميم الأساس للمدن لتطوير بناها التحتية، فضلاً عن تحولها لملاذات آمنة لتواجد الإرهابيين والخارجين عن القانون وعصابات الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والغش الصناعي، وهناك تجربة مصرية رائدة يمكن الاستئناس بها، إذ إن هذا البلد يعاني من أن 40% من سكانه يعيشون في العشوائيات، خاصة إذا ما علمنا أنه يقطن ثلاثة ملايين فرد في العشوائيات بالقاهرة، وحدها، لذلك وضعت الحكومة المصرية خطة لإنهاء هذه العشوائيات بحلول عام 2030 بميزانية تقدر بعشرين مليار دولار، وإنشاء (صندوق تطوير العشوائيات)، وتوزيع وحدات سكنية لساكني العشوائيات بأجور رمزية لا تثقل كاهل المواطن.
قانون العشوائيات في العراق الذي تأخر إقراره لأكثر من دورة برلمانية لأسباب سياسية وانتخابية، أوجد عدداً من الحلول لإنهاء هذه العشوائيات بطريقة تحفظ كرامة الساكنين فيها، بإدراج هذه العشوائيات ضمن التصميم الأساسي للمدن وإجراء تعديلات عليها، بغية إدخال الخدمات الأساسية والبنى التحتية إليها، وتمليك 75% منها إلى قاطنيها وفق شروط وضوابط محددة لقاء أجور رمزية توضع في صندوق خاص لتطوير واستدامة هذه المدن السكنية، والحيلولة دون اتساع العشوائيات أو تواجدها مستقبلاً بتشييد مدن عصرية متكاملة، وفق أسعار معقولة مدعومة حكومياً وتحسين مستوى المعيشة للمواطن الذي سينتقل تدريجياً من هذه العشوائيات، التي ستتلاشى وتندثر مع مرور الوقت.