لا يوجد الكثير من الأمور التي يمكن أن تجمع بين شخصين متناقضين تمامًا سياسيًا كما هو الحال بين الجمهوري نيوت جينجريتش، والديمقراطي بوب كيري. وفي عام 2007، وبعد أن قادا لجنة استمر عملها ثلاث سنوات؛ بهدف دراسة تكاليف رعاية كبار السن، اتفق الخصمان السياسيان تمامًا على عدو واحد مشترك، ألا وهو مرض الخرف.
في ذلك الوقت، كان هناك أقل من 30 مليون شخص حول العالم تم تشخيص حالاتهم بالإصابة بالمرض، بيد أنه كان واضحًا أن العدد سيزيد بشكل هائل. وتشير التوقعات الحالية إلى أنه بحلول عام 2050 قد يتخطى العدد 130 مليون مريض، وفي هذه الحال قد تصل تكلفة الرعاية الصحية في الولايات المتحدة وحدها لأمراض معينة – مثل ألزهايمر – إلى تريليون دولار أمريكي سنويًّا، حسب سعر الدولار في وقتنا الحالي. وفي معرض حديثه، صرّح جينجريتش – وهو المتحدث الرسمي السابق لمجلس النواب الأمريكي – قائلًا: “نظرنا إلى بعضنا البعض، وقلنا: بالطبع إذا لم نُحْكِم سيطرتنا على مرض ألزهايمر؛ فلن نتمكن من إنجاز أي شيء، لأنه سيصيب النظام بشلل تام”.
ولا يزال جينجريتش يملك الأسباب القوية التي تجعله يشعر بتلك الحاجة الملحة للتعامل مع المرض، فحجم التمويل لم يواكب قدر تضخُّم المشكلة؛ إذ إن الأهداف العلاجية فيه تُعتبر قليلة على أرض الواقع، وغير مفهومة، كما تم إيقاف أكثر من 200 تجربة إكلينيكية لعلاجات مرض ألزهايمر، لعدم فعاليتها. ولم يستهدف أيّ من العلاجات القليلة المتاحة السبب الرئيس للإصابة بالمرض. يقول جينجريتش: “وكأننا نواجه إعصار تسونامي، ونحاول التصدي له بدلو فقط”.
بدأ صدى الرسالة يتردد في جميع أنحاء العالم؛ ما يعطي الأمل للأطباء والعلماء. ومن ثم، يرى الخبراء أن الموجة المقبلة يمكن التعامل معها وتهدئتها بثلاثة أشياء، هي: توفير مزيد من الأموال للأبحاث، وتوفير وسائل تشخيص وأدوية أفضل، وتحقيق انتصار – أيًّا كان حجمه – لرفع الروح المعنوية.
يقول رونالد بيترسن، أخصائي الطب العصبي لدى “مايو كلينك” في روتشستر بولاية مينيسوتا: “ما نحتاجه حقًّا هو أن ننجح”. فبعد العديد من الإخفاقات، من شأن نجاح إكلينيكي واحد “أن يقنِع الناسَ بأن هذا المرض ليس ميؤوسًا منه”.
حسابات التكلفة
إن مرض الخرف هو خامس أكبر مسبِّب للوفاة في البلدان ذات الدخل المرتفع، كما أنه المرض الأكثر تكلفة في التحكم فيه، إذ يحتاج المرضى رعاية مستمرة ومكلفة على مدى سنوات. ومع ذلك.. ينخفض تمويل الأبحاث المتعلقة بالخرف انخفاضًا كبيرًا، مقارنة بالعديد من الأمراض الأخرى. ففي معاهد الصحة الوطنية الأمريكية مثلًا، بلغ حجم التمويل السنوي للدراسات المتعلقة بالخرف في عام 2015 حوالي 700 مليون دولار فقط، مقارنة بملياري دولار لأمراض القلب والأوعية الدموية، وأكثر من 5 مليارات لمرض السرطان.
تكمن إحدى مشكلات هذا المرض في القدرة على رؤيته؛ فالمجموعات المختصة بالأمراض الأخرى – وعلى الأخص سرطان الثدي، وفيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” – نجحت في المطالبة بالحصول على كميات كبيرة من التمويل البحثي المخصص لها، لكن وفقًا لما ذكره جورج فرادينبيرج، الرئيس والمؤسس المشارك لمنظمة UsAgainstAlzheimer’s – وهي منظمة غير ربحية في تشيفي تشيس بولاية ميريلاند – “لم يحظ مرض ألزهايمر بالقدر نفسه من الاهتمام”.
يرى فرادينبيرج أن السبب الأكبر وراء ذلك هو أن “ضحايا المرض مختبئون”؛ فالخرف غالبًا ما يصيب كبار السن، وكثيرًا ما يُساء فهمه، ويعتبره كثيرون أمرًا طبيعيًّا في مرحلة الشيخوخة؛ بل يمثل وصمة عار في كثير من الأحيان. وعادةً ما يبذل مقدِّمو الرعاية من أفراد أسرة المريض جهدًا جبارًا لرعايته، ويصابون بإنهاك شديد؛ بيد أن قليلًا منهم مَن يملك جرأة التحدث عن ذلك.
ومع ذلك زاد الوعي الاجتماعي والسياسي في السنوات الخمس الماضية، حيث صرّحت سوزان بيشين، الرئيس التنفيذي للتحالف من أجل بحوث الشيخوخة في واشنطن العاصمة – وهو واحد من بين أكثر من 50 منظمة غير ربحية ضمن رابطة “تسريع وتيرة علاج/علاجات مرض ألزهايمر” Accelerate Cure/Treatments for Alzheimer’s Disease – قائلة: “بدأنا جميعًا في العمل معًا بصورة مكثفة أكثر، وهذا قطعًا أمر إيجابي”.
ويمكن ملاحظة انعكاس تأثير ذلك على الاستثمارات الحكومية. فقد أخذت فرنسا زمام المبادرة؛ إذ وضعت خطة وطنية لمكافحة مرض ألزهايمر في عام 2008، شملت توفير مبلغ 200 مليون يورو (ما يعادل 220 مليون دولار أمريكي) على مدى خمس سنوات، من أجل الأبحاث المعنية بالمرض. وفي عام 2009، تأسس المركز الألماني لأمراض التنكس العصبي في مدينة بون، بميزانية سنوية بلغت 66 مليون يورو. كما زاد إنفاق المملكة المتحدة على الأبحاث المتعلقة بمرض الخرف لأكثر من الضعف خلال الفترة بين عامي 2010 و2015، ليصل إلى 66 مليون جنيه استرليني (ما يعادل 82 مليون دولار أمريكي). وواصل الاتحاد الأوروبي إنفاق عشرات الملايين من اليوروهات سنويًّا على الدراسات المتعلقة بالخرف، من خلال مبادرة الأدوية المبتكرة، وعملية البرمجة المشتركة، كما أن أستراليا في طريقها الآن لتدشين صندوق تمويل للأبحاث المتعلقة بالخرف، بميزانية بلغت 200 مليون دولار أسترالي (ما يعادل 150 مليون دولار أمريكي)، ويستمر لمدة خمس سنوات.
ومن جانبه، يقول فيليب أمويل، أخصائي علم الأعصاب وعلم الوراثة في المستشفى الجامعي في مدينة ليل في فرنسا: “هذا تحدٍّ عالمي، ولن يتسنى لدولة واحدة حل المشكلة بمفردها”، بيد أن الولايات المتحدة هي الداعم الأكبر حتى الآن، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًّا إلى جهود جينجريتش، وكيري. فقد قفزت الميزانية السنوية لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية المخصصة لمرض ألزهايمر وأنواع الخرف الأخرى في العام الماضي، لتصل إلى حوالي مليار دولار أمريكي، وهناك هدف يتم السعي إليه؛ لكي يتضاعف هذا الرقم في السنوات القليلة القادمة، حتى في ظل ما يشهده المشهد السياسي في الولايات المتحدة من انقسامات، إذ يقول كيري: “إن مرض ألزهايمر لا يهتم بالحزب السياسي الذي تنتمي إليه”.
إن مبلغ ملياري دولار “رقم معقول”، على حد قول بيترسن، الذي يرأس المجلس الاستشاري الفيدرالي، الذي حدد الرقم المستهدَف في عام 2012. وأضاف قائلًا إنّ كل ما يحتاج إليه مجتمع الأبحاث هو أن يجيب على السؤال التالي: “ماذا سنفعل بهذا المبلغ، إذا ما حصلنا عليه بالفعل؟”.
قد تعتمد الإجابة – إلى حد كبير – على مصير عقار يُسمى “سولانيزوماب”، قامت بتصنيعه شركة “إيلي ليلي” Eli Lilly في إنديانابوليس بولاية إنديانا. يقوم هذا الدواء القائم على الأجسام المضادة بإزالة بروتين أميلويد-بيتا، الذي يتكتل ليشكل لويحات لزجة في أدمغة الأشخاص الذين يعانون من مرض ألزهايمر. وأعلنت شركة “لِيلِي” نتائج اختبار تجربة إكلينيكية على 2100 شخص؛ لمعرفة ما إذا كان العقار قادرًا على إبطاء التدهور الإدراكي لدى المصابين بدرجة بسيطة من مرض ألزهايمر، أم لا. وقد أظهرت مؤشرات أولية وجود فائدة إدراكية في هذه الفئة من المرضى في تجارب سابقة، إلا أن الفوائد يمكنها أن تختفي في هذه المرحلة النهائية من التجارب، كما حدث مع كل مركب واعد آخر.
لا أحد يتوقع علاجًا، لكنْ إذا تسنى لعقار “سولانيزوماب” تأخير تدهور الدماغ، ففي أحسن الأحوال قد يساعد في تحسين مستويات المرضى في الاختبارات الإدراكية بنسبة 30 إلى 40%، مقارنة بمن تناولوا علاجًا بديلًا. وحتى هذا المكسب الضئيل سيمثل انتصارًا، إذ سيثبت للعلماء ومجال صناعة الدواء أن التوصل إلى علاج معدَّل للمرض بات – على الأقل – أمرًا ممكنًا، بيد أنه يمكن لأي انتكاسة أخرى أن تؤدي إلى إجهاض الزخم الذي شهده التطوير الدوائي في الآونة الأخيرة.
وهنا، يعلِّق جون هاردي – اختصاصي علم الوراثة العصبية في كلية لندن الجامعية – قائلًا: “نقف الآن عند مفترق طرق.. ستكون النتيجة مهمة جدًّا، بشكل يفوق أهميته بالنسبة إلى شركة “لِيلِي”، وأهمية هذا الدواء بشكل خاص”.
وعلى الصعيد العلمي، قد يعطي نجاح عقار “سولانيزوماب” مصداقية لفرضية الأميلويد، التي طالما كانت مثيرة للجدل، والتي تفترض أن تَراكُم بروتين أميلويد-بيتا في الدماغ هو أحد مسبِّبات مرض ألزهايمر. قاد الإخفاق السابق لعوامل إزالة الأميلويد الكثيرين إلى استنتاج أن اللويحات كانت إحدى تبعات تطور المرض، وليست المسبِّبة له، إلا أن مَن يؤيدون فرضية الأميلويد يقولون إن الأدوية غير الناجحة أُعطيت بعد فوات الأوان، أو أنها أُعطيت لأشخاص لم يتراكم لديهم الأميلويد، وهم – في الغالب – أولئك المصابون بنوع مختلف من الخرف.
سعت شركة “لِيلِي” في أحدث تجربة لها بدواء “سولانيزوماب” إلى الاستعانة بمشاركين يعانون من ضعف إدراكي معتدل، واستخدمت مسوح دماغية وتحليلات لسائل النخاع الشوكي؛ لتأكيد وجود بروتين أميلويد-بيتا في أدمغتهم. كما انتهجت شركة “بيوجين” Biogen – في كمبريدج في ماساتشوستس – النهج نفسه لفحص المشاركين في تجربة لعقارها المستهدف للأميلويد “أدوكانوماب”. في وقت سابق من العام، أشارت دراسة أُجريت على 165 شخصًا إلى وجود مؤشرات مبكرة تدل على أن إزالة بروتين أميلويد-بيتا بنجاح عن طريق علاج شركة “بيوجين” ارتبط بتدهور إدراكي أبطأ.
وإذا ثبتت صحة هذه النتائج بعد إجراء مزيد من التدقيق فيها، يرى جوفاني فريسوني – عالِم الأعصاب الطبيب في جامعة جنيف في سويسرا، والمشارِك في اختبار الدواء – أنه “من شأن ذلك أن يخبرنا على الأقل أن الأميلويد يظهر في بدايات مراحل تبعات المرض، ولذا.. من المهم استهدافه، والتعامل معه دوائيًّا”.
للقضاء على المرض.. قُم بإبطائه
رغم استمرار الجدل حول فرضية الأميلويد، يزداد الاهتمام بضرورة التدخل المبكر باستخدام الأدوية المزيلة للبروتين، بيد أن ريزا سبيرلنج – أخصائية الأعصاب لدى مستشفى بريجهام والنساء في بوسطن بولاية ماساتشوستس – تشعر بالقلق من كون حتى الخرف البسيط مؤشرًا على موت خلايا المخ بشكل غير قابل للإصلاح. وتقول: “يمكنك امتصاص كل الأميلويد من الدماغ، أو منعه من مواصلة التراكم، بيد أنك لن تستطيع إعادة إنماء هذه الخلايا العصبية من جديد”.
وقد دفعها ذلك إلى قيادة دراسة باسم “علاج مضاد للأميلويد في حالات ألزهايمر عديم الأعراض” Anti-Amyloid Treatment in Asymptomatic Alzheimer’s، ويُطلق عليها “A4″، وهي من نوع الدراسات المراقَبة بعلاج وهمي، تختبر عقار “سولانيزوماب”، وتبلغ تكلفتها 140 مليون دولار، وتهدف إلى علاج الأشخاص الذين يعانون من مستويات مرتفعة من الأميلويد قبل ظهور أي مؤشرات لضعف الإدراك، بيد أن تلك الدراسة ليست التجربة الوحيدة التي تقوم بها سبيرلنج، ففي شهر مارس الماضي، قامت هي وأخصائي الأعصاب بول آيسن – من معهد الأبحاث العلاجية لمرض ألزهايمر بجامعة كاليفورنيا الجنوبية في سان دييجو – ببدء تجربة على 1,650 شخصًا لم تظهر عليهم أعراض المرض، لكنْ كانت لديهم مؤشرات مبكرة لتراكم بروتين أميلويد-بيتا. وتختبر التجربة عقارًا صنعته شركة “جونسون آند جونسون” Johnson & Johnson، يمنع عمل إنزيم بيتا-سكرتاز المسؤول عن إنتاج البروتين السام.
تُعرف هذه التدخلات باعتبارها نوعًا من الوقاية الثانوية، إذ إنها تستهدف الأشخاص الذين تتكون بالفعل لديهم لويحات الأميلويد، إلا أن سبيرلنج وآيسن يخططان لاختبار ما يُسمى بالوقاية الأولية، فقد حصلا في شهر أغسطس الماضي على تمويل من معاهد الصحة الوطنية الأمريكية؛ لبدء علاج الأشخاص الذين تحوي أدمغتهم مستويات طبيعية من بروتين أميلويد-بيتا، ولم تظهر عليهم أعراض التدهور الإدراكي، لكنهم معرَّضون بشكل كبير لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، بسبب مجموعة من العوامل، مثل السن، والعوامل الوراثية.
“كأننا نواجه إعصار تسونامي، ونحاول التصدي له بدلو فقط”.
“إن أكبر أثر يمكننا إحداثه هو تأخير ظهور الأمراض”، كما يقول ديفيد هولتزمان – أخصائي علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس بولاية ميسوري، والمحقِّق في “شبكة مرض ألزهايمر المورث السائد” Dominantly Inherited Alzheimer Network ، التي تعمل على اختبار فوائد تناول عقار “سولانيزوماب”، أو علاج آخر مضاد للأميلويد للأشخاص الذين يرثون طفرات جينية تمهِّدهم للإصابة بمرض ألزهايمر في سن مبكرة.
وقد تعني الوقاية الثانوية في نهاية المطاف فحص كل مَن تخطى فترة منتصف العمر، بحثًا عن علامات لبروتين أميلويد-بيتا، رغم أن طرق الاختبار الحالية إمّا باهظة الثمن (إذ يكلّف مسح الدماغ 3000 دولار)، أو باضعة (كالبزل القطني). وهنا، أشار دينيس سيلكو – أخصائي علم الأعصاب لدى مستشفى بريجهام والنساء – إلى أن الباحثين قد سلطوا الضوء على عشرات المؤشرات الحيوية المحتملة في الدم، لكن لم ينجح أي منها بعد في تشخيص المرض، بيد أن اختبارًا تشخيصيًّا رخيصًا وسهلًا لبروتين أميلويد-بيتا قد يثبت – في نهاية المطاف – أنه غير ضروري. وهنا، تشير سبيرلينج إلى أنه على النسق نفسه لاقتراح البعض إعطاء عقاقير خافضة للكوليسترول لأي شخص معرَّض لخطر الإصابة بأمراض القلب، قد يعطي الأطباء – في النهاية – عقاقير مضادة للأميلويد لمجموعة واسعة من الأشخاص المعرَّضين لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، حتى إنْ لم يكن بروتين الأميلويد قد تراكم لديهم بالفعل.
اختبار أهداف متنوعة
بما أن الكوليسترول ليس هو المسبِّب الوحيد لأمراض القلب، فبروتين أميلويد-بيتا ليس هو الدافع الوحيد لنشوء مرض ألزهايمر، وهناك أيضًا بروتين “تاو” المسبِّب للتشابكات التي تحدث في أدمغة المرضى. ورغم أن شركات أدوية كثيرة تستهدف هذا البروتين، إلا أن عددًا قليلًا من الشركات الكبرى لديها عقارات إكلينيكية مرشحة فعليًّا تركز على أهداف أخرى. يقول برنارد مونوس، مستشار الصناعة، والمدير التنفيذي السابق لشركة “إيلي لِيلِي”: “هم يسعون لمعرفة كيفية تعديل هدف بعينه، ثم يواصلون البحث في هذه البؤرة فقط، بدلًا من المخاطرة بالخروج عن حيز المألوف”.
وتُعَدّ تلك مشكلةً، كما يقول هوارد فيليه، الرئيس التنفيذي للعلوم لدى مؤسسة اكتشاف أدوية ألزهايمر Alzheimer’s Drug Discovery Foundation في مدينة نيويورك. يقول فيليه: “نحن بحاجة فعلًا إلى زيادة تنوع الأهداف التي نتعامل معها”.
بعد بروتيني أميلويد، وتاو، لُوحظ أن الهدف الوحيد الذي حظي باهتمام كبير من الباحثين هو التهاب الأعصاب، وهو بمثابة “الضلع الثالث في المثلث” لعلاج مرض ألزهايمر، كما يسميه رودي تانزي، اختصاصي علم الوراثة العصبية في مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن.
وقد شَبَّهَ تانزي مرض ألزهايمر بحريق هائل ينشب في الدماغ.. فاللويحات والتشابكات هي الشرارات الأولى، ثم تأتي الالتهابات العصبية المصاحِبة لتأجج النيران. وبمجرد أن ينتشر اللهب، “يُعَدّ إطفاء الحرائق الأولى التي وصلت بك إلى هذه المرحلة أمرًا غير كافٍ”، على حد تعبير تانزي.
ولعل هذا يفسر سر فشل العقاقير المضادة للأميلويد عندما تناولها المصابون بالخرف الكامل، فبالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص قد يكون من المفيد الحد من التهابات الخلايا المناعية بالدماغ، التي تُسمى “الخلايا الدبقية الصغيرة”. لذا.. يركز باحثو الأدوية في الوقت الحالي على جينَي CD33، و TREM2 ، المشاركَين في وظيفة الخلايا الدبقية الصغيرة، إلا أنه – على حد قول تانزي – “هناك حوالي 24 جينًا آخر جديرًا بالاهتمام، ولا ندري إنْ كان أيّ جين من هذه الجينات الجديدة – التي لا يهتم بها أحد – سيقودنا إلى مزيد من الدلائل الدوائية، أم لا”.
مسارات بديلة
يؤكد عدد كبير من خبراء مرض ألزهايمر على ضرورة التوصل إلى تدخلات أفضل وأقل تكلفة، لا تتطلب إجراء بحوث دوائية. ففي جامعة نيو ساوث ويلز في مدينة سيدني في أستراليا، على سبيل المثال، يَختبِر أخصائي الطب النفسي للمسنين، هنري بروداتي، إمكانية أن تسهم أداة تدريب على شبكة الإنترنت – تركز على اتباع نظام غذائي، وممارسة الرياضة، والتدريب الإدراكي، وتركز أيضًا على الحالة المزاجية – في تأجيل تطور المرض. ويقول في هذا الصدد: “نحن نعلم أن ثلثي حالات الخرف في العالم ستصبح موجودة في البلدان النامية”، (انظر: “الموجة القادمة”). ومن ثم، جادل بوداتي بأنّ إحداث تغيُّرات في نمط الحياة قد يكون أكثر قابلية للتطبيق على نطاق أكبر من العقاقير باهظة الثمن.
وعلى الباحثين ألّا يتوقفوا عند مرض ألزهايمر وحده، بل عليهم أن يتوسعوا في دراسة أنواع أخرى كثيرة من الخرف.. فإصابة الأوعية التي تغذِّي الدماغ بالدم تسبِّب ما يُسمى بـ”الخرف الوعائي”، فيما يتسبب تَراكُم بروتين ألفا-سينوكلين في حدوث المشكلات المتعلقة بالإدراك لدى المصابين بمرض “باركنسون”، وكذلك ما يُسمى بـ”خرف جسيمات ليوي”. أما رواسب بروتين “تاو”، فهي غالبًا السبب وراء فقدان الخلايا العصبية المسؤولة عن “الخرف الجبهي الصدغي”. كما أن هناك العديد من الدوافع الأخرى المدمرة بالقدر ذاته، والمسبِّبة لتدهور خطير في الحالة العقلية.
في هذا الصدد، يقول نِك فوكس، أخصائي علم الأعصاب بكلية لندن الجامعية: “لا ينبغي علينا تجاهُل تلك الأمراض الأخرى”، لا سيما أن أنواعًا عديدة من الخرف تشترك في الآليات البيولوجية. كما أن معالجة مرض واحد قد تسهم في بناء استراتيجيات علاج مرض آخر.
ولعل أكبر عائق أمام تطوير الأدوية في الوقت الحالي هو عائق لوجستي، أكثر منه علمي؛ إذ تستغرق التجارب الإكلينيكية لمرض الخرف سنوات لإتمامها، حيث يعاني الباحثون كثيرًا من أجل استقطاب أعداد كافية من المرضى؛ للمشاركة في الدراسة. ومن جهتها، تقول مارلين ألبرت، مدير مركز أبحاث مرض ألزهايمر في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور بولاية ميريلاند: “نحتاج إلى أن نحصل على إجابات بشكل أسرع”.
ويكمن أحد الحلول في السجلات الجاهزة للتجارب.. فبتسجيل الراغبين في المشاركة في الدراسة قبل أن تبدأ؛ يمكن للباحثين بدء التجربة بمجرد أن يصبح العقار جاهزًا للاختبار. يقول آيسن: “علينا أن نشرِك البشرَ في مهمة محاربة هذا المرض”.
يتم تمويل سجل COMPASS-ND – الذي يضم 1600 شخص – من قِبَل الاتحاد الكندي للتنكس العصبي في مرحلة الشيخوخة. يقول العضو سيرج جوتييه – أخصائي علم الأعصاب في جامعة ماكجيل في مونتريال – إن البحث عن المشاركين قد يكون أمرًا صعبًا، وهناك حوالي ثلث مَن يأتون إلى عيادات أمراض الذاكرة – مثل عيادته – يعانون مما يُعرف باسم التدهور الإدراكي الشخصي، فقد ينسون الأسماء، أو يعانون من “لحظات خرف” أخرى، بيد أنهم ليسوا مصابين بالخرف، وفق تعريفه الطبي.
وهم مناسبون جدًّا للسجلات الجاهزة للتجارب، كما يقول جوتييه: “إنهم معرَّضون بصورة كبيرة للإصابة بالمرض، وقد أظهروا بعض القلق”. ويأمل جوتييه أن يجد المزيد من أمثالهم، كما أن حالته هو نفسه تشبههم، وقد التحق بسجل الصحة الدماغية Brain Health Registry، الذي يضم أكثر من 40 ألف مشارك حتى الآن، ويقوده باحثون من جامعة كاليفورنيا بولاية سان فرانسيسكو. وهو يخضع لاختبارات إدراكية بشكل منتظم، وقد يُطلب منه الخضوع للمزيد منها عندما تصبح الأدوات التشخيصية والعلاجات المحتملة جاهزة للاختبار. يقول: “إنه أمر ممتع”.
إنّ الناس سيجدون أنفسهم في حاجة مُلِحَّة إلى أن يواجهوا الخرف بشكل جادّ، لأنه خلال العقود القليلة القادمة سوف نشهد جميعًا تَعَرُّض صديق أو حبيب للإصابة بهذا المرض، حيث يقول روبرت إيجي – الرئيس التنفيذي للسياسة العامة لاتحاد مرض ألزهايمر في شيكاغو في إلينوي إنها فكرة مثيرة للقلق، ويجب أن تحفِّز العمل، واستطرد قائلًا: “إننا نعرف أين نتجه الآن، لكن يبقى السؤال: هل سنذهب إلى أبعد من ذلك، أم لا؟”