
كتب أ.د. عبد الواحد مشعل: تشكل عملية التحول بالتعليم من الإطار الكلاسيكي إلى الإطار الحديث (الرقمي والإلكتروني) منعطفاً مهماً في حقل التعليم في العراق، والإشكالية التي نحن بصددها تتمثل بالتدريب على آلية التعليم الحديث وما يعانيه كثير من التدريسيين والطلبة من ضعف المعرفة بآلياته، وعملية التعامل معه على أسس موضوعية وعلمية، بعدها تجربة جديدة على الواقع التعليم في الجامعات والمدارس العراقية.
فالمستقبل مرهون بالتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، وبقدر ما فيها من تحديات تقنية في بداية العمل بها، إلا أنها أعطت للتعليم بمراحله المختلفة فرصة تاريخية في العامل مع تقنيات التعلم الحديث، وأبرزها التعليم الإلكتروني والرقمي، وكيفية تكيف الأساتذة والطلبة معها على وفق عامل الثقة المتبادلة بينها والإنسان، بعدها تشكل تحولاً أساسياً إلى أفق أكثر تطوراً وتقدماً، لا سيما أن الثقافة الرقمية من الوسائل التقنية، التي أصبحت العامل الحاسم في التعليم في ظل الظروف التحولات الحضارية والعلمية العالمية، وكيف التعامل معه مستقبلاً بعده مفتاحاً رحباً لتعليم أكثر جودة، من خلال الاندماج والتواصل مع تجارب العالم في هذا الميدان، وعلى الرغم ما تواجه هذه الخطوات من تحديات كثيرة، فإن الأمر يستدعى بناء استراتيجية بناصية التطور العلمي التقني، فعصر الإنترنيت ووسائل الاتصال الحديثة، أصبحا مسألة في غاية الأهمية لعملية التحول بالتعليم من النمط الكلاسيكي إلى الحديث.
تندرج أهمية الانتقال إلى التعليم الحديث في اهتمام المخططين في مجال التعليم في العراق، بصفتها تحمل في أهدافها فوائد معرفية وعلمية في عصر تعدى فيه اهتمام الإنسان الحديث خطوط الطول والعرض، وأصبح العالم يتفاعل شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً عبر الأخذ بمنصات التواصل الإلكتروني، في عقد الندوات والمؤتمرات الافتراضية وعلى نطاق واسع، ما وضع أمام الإنسان العراقي جملة من الحقائق، التي ينبغي الإفادة منها في تطور المعرفة العلمية والتفاعل مع تجارب جامعات والمؤسسات البحثية في العالم.
فالخروج من التعليم الكلاسيكي وبتقنيات منهجية متقدمة، يتطلب من المعنيين بحقل التعليم إلى تحقيق قفزات نوعية نحو الانتقال إلى التواصل الإلكتروني والرقمي والذكاء الاصطناعي، فالعالم متجه إلى هذا النوع من التطور، فالارتقاء بمؤسساتنا التعليمية يطلب فتح آفاق التعاون العلمي مع تجارب العالم التعليمية المتقدمة، وتطبيق برامجها في المؤسسات العراقية، لبناء جيل يوازي ما تعيشه الأجيال في مجتمعات العالم المتطور، وهو ما سيعطي أهمية نظرية ومعرفية، للعبور به إلى الجانب التطبيقي في مؤسسات التعليمية بعده يمثل حاجة ملحة في التحول الحضاري والثقافي، فضلاً عن بناء معرفي وتربوي يتلاءم مع قيمنا وتطلعاتنا الحضارية.
وفي هذا الإطار ينبغي الفهم بأن الحديث عن دور المؤسسة التربوية في بناء الإنسان العراقي ليس سهلاً، فالمسألة تحتاج إلى جهد كبير تتضافر فيه جهود المؤسسات الأخرى بمراكزها العلمية والبحثية في مجال اختصاصاتها، لتتواصل وتتعاون مع المؤسسة التعليمية والتربوية في البلاد، والمسألة تحتاج إلى إرادة سياسية لاتخاذ قرارات صارمة تكون بمثابة دليل عمل وطني، يتطلب تشريع قوانين ونواميس تعطي للبعد التربوي دوره الخلاق في هذا المجال.
وهذا يتطلب مراجعة المناهج الدراسية وبناء شخصية المعلم من جديد، وإعطاءه المكانة الاجتماعية، التي تجعله يشعر بوجوده في المجتمع كنموذج تربوي متسلح بالمعرفة الرقمية وتقنيات المناهج الحديثة، وليكن ترسيخ القيم الأخلاقية والتربوية من أولى المهام، التي ينبغي على المؤسسة التعليمية الاضطلاع بها حتى يكون لهذا التعليم فوائد ومردودات نافعة على مستقبل التعليم في العراق، وهو ما يساعد مستقبلاً على ترسيخ مبادئ وقيم إنسانية في مختلف المجالات، لأنه سيكون عندنا جيلاً مدرباً ومؤهلاً علمياً وأخلاقياً، وهو أمر بات ضرورياً في عصر التحولات الحضارية في العالم.