كتب سعيد البدري: يُفهم من تفاصيل العدوان الأمريكي الوقح على مقرات الحشد الشعبي في الأراضي العراقية عدم إيمان أميركا بالدولة والسيادة، كما ينبغي فهم أسباب ازدواجية أميركا التي تدعي حرصها على إشاعة قيم الديمقراطية.
ولعل أبرز التساؤلات التي تطرح في هذا السياق، هو كيف لقوة عظمى تدعي كل ذلك، ثم تسمح لنفسها بتحويل العراق كبلد مستقل لساحة حرب، وتضرب بصواريخها وقنابلها مقرات حكومية عراقية، بل وتحرض كلابها النابحة لمهاجمة العراقيين، ذاهبة بعيداً في سلوكها العدواني وعبر إدعاء كاذب تنسيقها مع الحكومة العراقية، لتقوم بلا أدنى احترام للمعاهدات الثنائية بتنفيذ عملية إجرامية تضرب فيها تلك المواقع، ليسقط في النهاية كل ما تقدم من شعارات زائفة.
لقد أثبتت الإدارات الأميركية المتعاقبة بشقيها الجمهوري والديمقراطي، أنها تمثل إرادات شر مطلق، وتتفق فيما تتفق عليه على استخدام القوة الغاشمة نهجاً لإثبات الوجود، فطالما بررت هذه الإدارات اعتمادها أساليب الابتزاز لتنفيذ مخططاتها بتركيع الشعوب ومصادرة قرارها، لتكون تبعاً لها بأنه لأجل حماية الأمن والسلم الأهلي في مناطق النزاع، فأي ديمقراطية هذه التي تبيح لقوة تقطع آلاف الكيلومترات، وتنشئ القواعد العسكرية وتوجه الضربات العسكرية المميتة لأهل الدار مستخدمة كل أنواع الأسلحة، وتهدد كل من يحاول مقاومتها ومواجهة غطرستها بالقتل والتصفية، بل وأكثر من ذلك بإعطائها الحق لربيبتها العصابات الصهيونية باقتراف الجرائم، وخرق كل القواعد الإنسانية وإبادة شعب بأكمله، لأجل تكريس منطقها في إنفاذ قانون الغاب وإشباع رغبة القتل والجريمة.
إن قيام أميركا بهذا الفعل الإجرامي وبعيداً عن أي تبريرات وخلفيات تنطلق منها، هو تعد صارخ، طالما تكررت فصوله، ولم يعد خافياً على أحد أهدافه وقذارة المشاركين فيه على الأرض، أما على مستوى المواقف المهللة بهذا الفعل ، فهي ليست إلا مواقف يعلنها بعض اللاهثين خلف السراب، ولأن الأيام دول فلا يظنن من يسير خلف الركب الأميركي، وإن حاول التمويه والتشويه أنه سيكون بمنأى عن العقاب، فساعة الحقيقة إن حلت، فلن يكون لمرتدي الأقنعة مكان يحميهم من غضبة الحليم ورد فعله حين يطالهم، ولمن تناسى الإجرام الأمريكي وبات يصفق لعدوان أميركا الغاشم، فعليه تحمل ضريبة تراقصه على جثث الضحايا، ومن الآن نقولها بأن هذه الطريق لن تؤدي بهم لشيء سوى الإفلاس، فمن يُمني نفسه بمكافأتهم له واعتماده ككلب حراسة لمصالح أميركا، فلن يحصد غير الهوان، وعليه أن يفكر ألف مرة قبل الانسياق خلف هذا الوهم، لأنه من سيدفع الثمن بالنهاية.
لقد ثبت بالتجربة أن إرادة الشعوب ستنتصر في النهاية، وأن البقاء لأصحاب الحق، ولا إرادة أعلى من إرادتهم، ومن يتوهم أن الاحتلالات وقوتها ستستمر للأبد، إنما يخالف سنن الكون ونواميس الوجود، من هنا فالدعوة قائمة لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي، ومن لايحترم أهل البلاد يكرر مسلسل كذبه وتدليسه بادعائه علم الحكومة العراقية المسبق، ليس يكون جديراً بثقة الشعب العراقي، كما أن محاولات شيطنة المقاومة لن تجدي نفعاً، لأن حق مقاومة الاحتلال متاح للشعوب وهو حق طبيعي ولا يمنح للمتخاذلين والجبناء، وهنا فإن على الحكومة أن تتلقى رسالة الأمريكيين المعتدين وتتعامل معهم بجدية، كما أن عليها مصارحة الشعب وتترك له الخيار في المقاومة، في حال لم تستطع مواجهتهم دبلوماسياً وتلزمهم بمغادرة الأراضي العراقية.
اليوم وبعيداً عن كل ما يراد قوله وبكون مواجهة أميركا خيار غير واقعي، بسبب تفاوت واختلال موازين القوى وعدم توافر أدوات كافية للردع نقول إن استمرار هذه التدخلات لن ينتج الدولة، وإذا أرادت أميركا أن تتعامل مع دولة حقيقية كما تدعي وتتقول في بياناتها وشعاراتها، فعليها أن ترضخ لمنطق العقل وتغادر الأراضي العراقية، قبل أن تضطر لذلك مرغمة لأن الشعب العراقي سيقف إلى جانب مقاومته التي لن تتنصل عن أداء واجبها دون خشية من تهديدات المعتدين وتلويحهم باستخدام القوة، على غرار ما يثقفون له في أدبياتهم، وبأنهم قوة عظمى تفرض وجودها بالقتل والسلاح ومصادرة القرار الوطني للشعوب، نعم هذه هي الحقيقة التي يخشى قولها البعض متجاهلين سعي أميركا لتنفيذ مخطط التمدد الصهيوني من النيل إلى الفرات، وعليه فإن تصدي المقاومة لن يتوقف، وهو يستبق الخطوات الفعلية لتمرير هذه المخططات التوسعية العدوانية، التي يتحدث عنها الصهاينة والأمريكيين دون أدنى حياء، وذلك فصل الخطاب !!