تناول لقمان عبد الرحيم الفيلي العلاقات الثنائيَّة العراقيَّة الألمانيَّة، ثم ندرس الاحتياجات والمتطلبات الأساسيَّة لشراكة قويَّة، ومجالات التوافق والاختلاف، والمناهج التي يجب على الجانبين مراعاتها من أجل مستقبل علاقات ثنائيَّة مزدهرة.
كتب لقمان عبد الرحيم الفيلي…العلاقات الثنائيَّة بين الدول عبارة عن روايات ديناميكيَّة، غالباً ما تتميز بالأهداف المشتركة والسياق التاريخي والتحديات الآنيَّة وتطور المسارات، والشراكة بين العراق وألمانيا ليست استثناء. وبالرغم من أن البلدين واجها نصيبيهما من التعقيدات والعقبات، فإن كلا البلدين يتمتعان بإمكانات هائلة لإقامة علاقة قويَّة ومتبادلة المنفعة. في هذه المقالة، نتناول العلاقات الثنائيَّة العراقيَّة الألمانيَّة، ثم ندرس الاحتياجات والمتطلبات الأساسيَّة لشراكة قويَّة، ومجالات التوافق والاختلاف، والمناهج التي يجب على الجانبين مراعاتها من أجل مستقبل علاقات ثنائيَّة مزدهرة.
تحليل العلاقة من خلال منهج سوات (SWOT)
يمكن أنْ يساعد تحليل سوات (وهو منهجٌ إداريٌّ في تقييم الموضوعات) للعلاقة الثنائيَّة الألمانيَّة العراقيَّة في تحديد نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات المرتبطة بهذه الشراكة الدبلوماسيَّة، وكما مبين في أدناه:
– نقاط القوة (الألمانيَّة):
الروابط التاريخيَّة، الفرص الاقتصاديَّة، الخبرة الألمانيَّة، حاجة البلدين لبعض، ثقل ألمانيا ضمن الاتحاد الأوروبي سياسياً واقتصادياً، يفتح مجال التعاون مع دول الاتحاد الأخرى، الصورة الإيجابيَّة لألمانيا لدى العراقيين.
– نقاط القوة (العراقيَّة):
الموقع الاستراتيجي، موارد الطاقة، القوى العاملة الشبابيَّة، التراث الثقافي، الدبلوماسيَّة الإقليميَّة.
– نقاط الضعف (العراقية):
المخاوف الأمنيَّة، الاستقرار السياسي، الاعتماد الاقتصادي على النفط، ضعف البنية التحتيَّة.
– نقاط الضعف (الألمانيَّة):
الاعتماد الاقتصادي، شيخوخة السكان، تحول الطاقة والاعتماديَّة، صعوبة القرار السياسي وخصوصاً الاستراتيجي، قيود الاتحاد الأوروبي.
– الفرص:
تطوير البنية التحتيَّة، التعاون الاقتصادي، التبادل الثقافي والتعليمي، التعاون السياسي والأمني.
– التهديدات:
المخاطر الأمنيَّة، العوامل الجيوسياسيَّة، التحديات الاقتصاديَّة، التحالفات المتغيرة.
وعليه سيكون التغلب على هذه العقبات مع الاستفادة من الفرص ونقاط القوة أمراً ضرورياً لكلا البلدين لتعزيز شراكة أكثر قوة وذات منفعة متبادلة في المستقبل.
الأهداف والاحتياجات الألمانيَّة
تسعى ألمانيا، مثل أي دولة أخرى منخرطة في علاقات ثنائيَّة، إلى تحقيق العديد من الأهداف والفوائد من علاقتها مع العراق، يمكن أنْ تكون هذه الأهداف متعددة الأوجه وتشمل ما يلي:
* الفرص الاقتصاديَّة.
* التجارة والاستثمار.
* تطوير البنية التحتيَّة.
* التأثير الدبلوماسي.
* التعاون الأمني.
* التبادل الثقافي والتعليمي.
* المساعدات الإنسانيَّة.
* أمن الطاقة (الغاز والطاقة المتجددة).
* فرص الأعمال.
* الحفاظ وبناء علاقات ثنائيَّة متينة.
كل ما سلف ذكره دون الإغفال أنَّ التعامل مع العراق يعزز الحضور العالمي لألمانيا ويقوي شبكة شراكاتها الدوليَّة، في وقتٍ تبحث فيه عن شراكاتٍ جديدة وبالأخص في ما يسمى بـ»العالم الجنوبي»، ومن المهم أنْ نلاحظَ أنَّ الأهداف والأولويات المحددة لألمانيا في إطار العلاقة الثنائيَّة مع العراق قد تتطورُ بمرور الوقت، متأثرة بالديناميكيات الجيوسياسيَّة المتغيرة، والظروف الاقتصاديَّة، والتحديات الإقليميَّة، ومع ذلك، فإنَّ الأهداف الشاملة غالباً ما تتمحور حول التعاون الاقتصادي، والاستقرار الإقليمي، والمشاركة العالميَّة.
الأهداف والاحتياجات العراقيَّة
للعراق من جانبه مجموعة من الأهداف والمصالح الخاصة به في علاقاته الثنائيَّة مع ألمانيا، وتعكس هذه الأهداف تطلعات العراق وأولوياته وتشمل:
* التنميَّة الاقتصاديَّة.
* تطوير البنية التحتيَّة.
* التقدم التكنولوجي.
* التبادل الثقافي والتعليمي.
* الأمن والاستقرار.
* الشراكات الدبلوماسيَّة.
* الاستقرار الإقليمي.
* التعاون في مجال الطاقة.
* الاستثمار في الموارد البشريَّة.
* الترويج الثقافي.
* التنويع الاقتصادي.
البيئة المطلوبة للتطوير
من أجل بناء بيئة مؤاتية لتطوير العلاقات الثنائيَّة العراقيَّة الألمانيَّة، من الضروري التركيز على عدة جوانب رئيسة
ومنها:
* الاستقرار السياسي والاتساق.
* الأمن والسلامة.
* الإصلاحات الاقتصاديَّة.
* تطوير البنية التحتيَّة.
* التبادل الثقافي وبرامج التعليم النشط.
* أطر التعاون الاقتصادي.
* تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
* تطوير سياسات صديقة
للمستثمرين.
* علاقات دبلوماسيَّة نشطة للغاية.
* تطوير إدارة الأزمات.
* البروتوكولات الثنائيَّة.
* الاجتماعات والحوارات الثنائيَّة المستمرة.
* إنشاء مراكز أو معاهد للتبادل
الثقافي.
* وأخيراً تطوير سجل النجاح العراقي والذي يمكن من خلاله تسليط الضوء بوضوحٍ على المشاريع التعاونيَّة والاستثمارات الناجحة لبناء الثقة وإظهار فوائد العلاقة الثنائيَّة لكلا البلدين.
ومن خلال التركيز على هذه الجوانب والعمل المستمر على تحسينها، يستطيع كلٌ من العراق وألمانيا بناء بيئة مؤاتية لتطوير علاقاتهما الثنائيَّة، ويجب أنْ تعزز هذه البيئة الثقة والاستقرار والمنفعة المتبادلة، ما يؤدي في النهاية إلى علاقاتٍ أقوى وزيادة التعاون بين البلدين.
المحاذاة والديمومة
إنَّ نجاح أي علاقة ثنائيَّة، بما في ذلك العلاقة بين العراق وألمانيا، يعتمد على مدى توافق مصالح وأهداف كلا البلدين وما إذا كان بإمكانهما معالجة أي مشكلات (سوياً أو بانفراد) بشكلٍ فعال. وبينما توجد فرصٌ للتعاون، هناك أيضاً قضايا تتطلب المواءمة والحل وتجاوز العقبات البيروقراطيَّة لتعزيز الشراكة، وتشمل:
* التحديات الأمنيَّة.
* الإصلاحات الاقتصاديَّة.
* مشاريع البنية التحتيَّة.
* الحواجز التجاريَّة.
* الأولويات الدبلوماسيَّة.
* قطاع الطاقة.
* التفاهم الثقافي.
* الاستقرار السياسي.
ورغم وجود مجالات للمواءمة والاهتمام المشترك، هناك أيضاً تحدياتٌ تتطلبُ الاهتمام والحل، وسيكون التواصل الفعال والدبلوماسيَّة والتعاون ضرورياً لمعالجة هذه القضايا وبناء علاقة ثنائيَّة قويَّة ومتبادلة تحقق المنفعة بين العراق
وألمانيا.
منهج استراتيجي لتنمية البيئة الصحيَّة للتعاون
إنَّ تطوير بيئة مؤاتية لنمو العلاقات الثنائيَّة العراقيَّة الألمانيَّة يتطلب اتباع نهجٍ استراتيجي ومنسق، وتتضمن بعض الخطوات والاستراتيجيات اللازمة لإنشاء هذه البيئة ما يلي:
* المشاركة الدبلوماسيَّة رفيعة المستوى.
* التعاون الأمني.
* الإصلاحات الاقتصاديَّة وترويج الاستثمار.
* تطوير البنية التحتيَّة.
* برامج التبادل الثقافي والتعليمي.
* السياسات الصديقة للمستثمرين.
* الشراكات بين القطاعين العام
والخاص.
* المبادرات الدبلوماسيَّة لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
* ‘نشاء بروتوكولات لإدارة الأزمات.
* الرؤية طويلة المدى والتخطيط الاستراتيجي.
* التوعيَّة العامة والتواصل.
* الاجتماعات الثنائيَّة المنتظمة ومجموعات العمل.
* وأخيراً الاستقرار السياسي والإصلاحات التي توضح الحاجة إلى العمل على تحقيق هذا النوع من الاستقرار السياسي في العراق من خلال تعزيز التعاون والتوافق بين الجماعات السياسيَّة المختلفة، والتي مع تنفيذها سنرى الإصلاحات الأساسيَّة والفعالة للحد من الفساد وزيادة الشفافيَّة وتعزيز الحوكمة.
ومن خلال متابعة هذه الاستراتيجيات بجديَّة والحفاظ على الالتزام بتعزيز علاقات أقوى، يستطيع العراق وألمانيا بناء بيئة تسهل تطوير علاقاتهما الثنائيَّة، وسيكون الصبر والمثابرة والتعاون أساسياً للتغلب على التحديات وتحقيق الإمكانات الكاملة لهذه الشراكة الضروريَّة لكلا البلدين.
خاتمة
ليتمكن العراق من إنشاء علاقات استراتيجيَّة مع دولةٍ مهمة مثل ألمانيا، وخصوصاً في القطاعات الاقتصاديَّة والتنمية المستدامة، نحتاجُ الى مراجعة منهجيتنا في التعامل مع هذه الدول، هنا مثلاً لا يمكن أنْ نعتمدَ على ألمانيا في تحديد كيف يمكن لها أنْ تساعدَ العراق في مسيرة البناء، بل نحتاجُ الى تحديد أولوياتنا بشأن القطاعات التي يرغبُ العراق بالتعاون فيها مع ألمانيــا، خصوصاً المجالات التي تتميز فيها عن غيرها من الدول، مع تقديم رؤية واضحة مخططٍ لها بشكلٍ واقعي عن احتياجات كل جهة عراقيَّة مستفيدة.
وكذلك اعتماد التخطيط الشامل لبرامج التعاون الثنائي مع الجهات الالمانيَّة (حكوميَّة كانت أو شركات)، معززةَ بالحجج والحقائق والأرقام ومراعاة ما يُعرف عن الألمان من: دقـة ومنهجٍ عملي بحت وبيروقراطيَّة وقلـة مرونة واهتمام بمعرفة وذكر جميع التفاصيل المعنيَّة بالمشاريع المطلوب منهم شراكتنا فيها.
وفي الختام، فإنَّ العلاقة الثنائيَّة العراقيَّة الألمانيَّة هي قصة دولتين تتنقلان عبر فصول ديناميكيَّة، على الرغم من استمرار التحديات، فإنَّ الوعد بالنمو والرخاء والمنفعة المتبادلة يلوحُ في الأفق إذا ما تمَّ استثمارها بشكلٍ مناسبٍ وواقعي.
ومن خلال إطلاق العنان لإمكاناتهم ومواجهة التحديات معاً، يستطيع العراق وألمانيا بناء شراكة أقوى لا تفيد بلديهما فحسب، بل تسهمُ أيضاً في الاستقرار الإقليمي والتعاون العالمي، إنَّ السرد المتطور لشراكتهما هو قصَّة أملٍ ونموٍ وروح تعاون دائمة.
* سفير جمهورية العراق في برلين.