اخبار اسلامية
Trending

خطبة صلاة الجمعة في جامع الجوادين (ع) بإمامة السيد حيدر العرداوي

أقيمت صلاة الجمعة، بجامع الجوادين (ع) في حي الإسكان، بإمامة السيد حيدر العرداوي.

 

وتطرق السيد العرداوي، في الخطبة الثانية، وتابعتها “النعيم نيوز”، إلى “قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. صدق الله العظيم.

في هذه الآية القرآنيّة، دعوة من الله سبحانه وتعالى لعباده، وكلٌّ بحسب قدراته وإمكاناته، إلى القيام بوظيفة هي من أعظم الفرائض الاجتماعيّة، وهي فريضة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. وقد أشار الله إلى أنَّ ذلك هو سبب نجاحهم وتطوّرهم وتقدّمهم، وأنّ أولئك هم المفلحون.

وفي آية أخرى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، فلا خير في هذه الأمَّة إن سكتت على الانحراف من داخلها أو خارجها، أو إن لم تدع إلى الخير.

فيما جاء التَّحذير من الله سبحانه وتعالى من ترك هذه الفريضة، عندما قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.

وجاء في وصيّة أمير المؤمنين(ع) للإمامين الحسنين (ع): “لا تتركوا الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، فيولّي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم”.

وفي الحديث عن رسول الله (ص): “إنَّ الله عزَّ وجلَّ ليبغض المؤمن الضَّعيف الّذي لا دين له”، فقيل: وما المؤمن الضّعيف الذي لا دين له؟ قال: “الذي لا ينهى عن المنكر”.

ولأنَّ هذه الفريضة قد تستوجب ردود فعل من الّذين لا يريدون المعروف ويعارضونه، أو من الّذين يريدون المنكر ويسعون إليه ويدافعون عنه، وقد تنعكس ردود فعلهم هذه على أرزاق من يقومون بهذه الفريضة أو على حياتهم، لذا جاءت الأحاديث لتعالج هذا الخوف من القيام بها، حيث جاء في الرّواية عن عليّ (ع): “اعلموا أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، لن يقرِّبا أجلاً، ولن يقطعا رزقاً”.

وفي حديثٍ آخر: “أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ…”، وأن لا ينسى في ذلك أنَّ الله معه.

إنَّ هذا التّأكيد والتَّشديد لأداء هذه الفريضة، هو حتى لا يصبح الانحراف أو الخطأ والطّغيان أمراً طبيعيّاً يألفه الناس دائرة المعروف والمنكر.

وعندما نتحدّث عن المعروف، فإنّه يراد منه كلّ فعل حسن، وكلّ عمل خيرٍ يدعو العقل إليه وجاءت الشّريعة لتثبته، فيما يتجسَّد المنكر في كلِّ فعلٍ قبيحٍ يسيء إلى حياة النَّاس على المستوى الأخلاقي أو الاجتماعي أو الاقتصادي والسياسي، ويهدِّد كلّ واقعهم.

هنا النقطة الأساس، فدائرة النّهي عن المنكر لا تنحصر في دائرة الحلال والحرام بالمعنى الفقهيّ فحسب، ولكنها تمتدّ إلى الدائرة الأوسع؛ إلى النّهي عن المنكر في مواضيع إدارة أمور الدّولة والمجتمع، إلى قضايا الأمن والاقتصاد وقضايا الناس المعيشيّة .

ومن خلال كلّ ذلك، نعي أنَّ الله سبحانه لا يريد لعباده المؤمنين أن يكونوا غير مبالين بما يجري في مجتمعهم، وأن يكتفوا بصلاح ذواتهم فحسب، بل لا بدَّ من أن يكون هذا الصّلاح في بيوتهم وأحيائهم وقراهم، وفي المواقع العليا، وأن يقفوا في مواجهة الفساد والانحراف بالوسائل الكفيلة لذلك، وإن تحمَّلوا بسبب ذلك أعباءً وضغوطاً وردود أفعال سلبيّة.

وهذا الهدف حتى يتحقَّق، قد يتمّ بمبادرات فرديّة، وقد يحتاج إلى عمل جماعيّ، وإلى قيام مؤسّسات تعنى بتعزيز موارد المعروف وترك المنكر، وإلى الاستفادة من وسائل الإعلام والتّواصل، ومن كلّ تقنيات العصر المفيدة لذلك.

وقد حرص القرآن الكريم على أن يكون كلّ ذلك بأفضل الوسائل وأحسن السّبل، فليس المهمّ أن تدعو إلى المعروف وتنهى عن المنكر، بل لا بدَّ من أن يكون الأسلوب مؤثّراً ولا يكون منفّراً، والأساليب قد تختلف من شخصٍ إلى آخر، ومن جماعةٍ إلى أخرى، وتبعاً للظّروف: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

فقد ورد في الحديث: “إنَّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به وتارك لما ينهى عنه، عادل فيما يأمر عادل فيما ينهى، رفيق فيما يأمر ورفيق فيما ينهى”.

وهذا هو أسلوب رسول الله(ص) الّذي فتح به قلوب النّاس وعقولهم على دينه {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

وقد ورد في الحديث: “إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ”.

أيُّها الأحبَّة: إنَّ كثيراً مما نعانيه في واقعنا، وما نواجهه من فساد وطغيان وظلم وانعدام للبركات والخيرات، يعود إلى أنَّنا تركنا مسؤوليَّتنا في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وعلى كلِّ المستويات كما ذكرنا؛ الفرديَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة…

لقد كان من يأتي المنكر في الماضي يستحي ويخجل بفعله، ويتورّع أن يراه الإنسان وهو يفعله، أمَّا الآن، فلا حياء ولا اعتبار، وليس هناك من رأي عام يواجهه ويعارضه، وإذا ووجه، فيكون من أفراد قلائل، والحجَّة دائماً أنّ كلّ واحد مسؤول عن نفسه، وربّه هو من يحاسبه.

نحن لا نقول في ذلك إنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ينبغي أن يكون كيفما كان، وبدون تخطيط وأسلوب وحكمة، بل لا بدَّ من خطّة للقيام به، ولكن لا نريد أن يصبح الانحراف والفساد والظّلم والخيانة في نظر الناس أمراً طبيعيّاً، لا يحرّك حتى القلوب الّتي ينبغي أن تبقى تنبض بالرّفض لذلك: “من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”، وإلّا سيتحوَّل الفساد أو الانحراف إلى قاعدة وأساس، كما صار في واقعنا، بحيث صار الغريب هو من يفعل المعروف ويترك المنكر، ويُتحدَّث عنه أنّه يسير عكس التيّار، أو يحمل السلَّم بالعرض.

وقد حذَّر رسول الله(ص) من ذلك عندما قال: “كيف بكم إذ فسدت نساؤكم وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟”، فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: “نعم، وشرّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟”، قالوا: يا رسول الله، ويكون ذلك؟ قال: “نعم، وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً، والمنكر معروفاً؟”.

أيّها الأحبَّة: إنَّ القيمة الّتي ينبغي أن نحملها من الحسين(ع) هي قيمة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
لقد كان الحسين إنساناً غيوراً على الدِّين وعلى الحقِّ والعدل، كان لا يمكن له أن يمرَّ مرور الكرام على دين الله يُشوَّه، وعلى مصالح النّاس يُسَاء إليها، ويسكت أو يجلس جانباً أو يقف على الحياد، كان يرى من مسؤوليّته الإيمانيّة والإنسانيّة أن يتحرّك ليواجه المنكر على مستوى الحاكم، وعلى مستوى الناس جميعاً، ولذلك قال: “إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر”.

وجوهر مشكلته مع يزيد ومن معه أوجزها في قوله: “ألا وإنَّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشّيطان، وتركوا طاعة الرّحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيَّر”.

لقد سعى الحسين (ع) إلى أن يواجه هذا الواقع بالكلمة، بالحوار، وبالموقف، وبقي يسعى إلى ذلك حتى اللّحظة الأخيرة، ولكنّه عندما رأى أنَّ إصلاح هذا الأمر يحتاج إلى أن يقدِّم دمه ودماء أصحابه، وأن تُسبَى نساؤه، أقدم ووقف، ليثبت للأجيال الحقيقةَ، أنَّ الخيار ليس في السّكوت على ترك المعروف وفعل المنكر، بل لا بدَّ لهم من موقف، من كلمة، من رفضٍ لهذا الواقع، وإلا سيكونون شركاء للمنحرف وللظَّالم وللفاسد إن هم لم يتحركوا لمواجهة الواقع الفاسد والمنحرف على المستوى الصَّغير والكبير، انطلاقاً من كلام رسول الله(ص) عندما قال: “من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله(ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله”، و”السّاكت عن الحقِّ شيطان أخرس”.

إنَّ معنى أن تكون حسينيّاً، ومعنى أن تكوني زينبيَّة، هو بمقدار القيام بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والإصلاح في الواقع، أن نقوم بما يمكننا القيام به.

القرار بيدنا، نسأل الله أن يعيننا، حتى نكون ممن لم يغادروا الحياة إلا بعد أن تركوا بصمات الخير فيها، فنكون دائماً لسان حقّ ولسان عدل ولسان قيم ولساناً صارخاً بالحقّ، حيث يحتاج الحقّ إلى معين ونصير، وبذلك نستحقّ صفة أنّنا من أصحاب الحسين ومن أتباعه”.

 

 

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرامالنعيم نيوز

ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرامالنعيم نيوز

 

 

Related Articles

Back to top button