مقالات
أخر الأخبار

تجارب كبيرة لدول صغيرة

كتب إياد مهدي عباس: ثمة تجارب في بعض الدول تستحق الوقف عندها طويلاً، والاستفادة من خبراتها واقتباس مسيرة نجاحها، خصوصاً تلك الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في عملية البناء والتقدم، واستطاعت الانتقال من حالة الفقر والتخلف إلى حالة التطور والتنمية الشاملة.

 

وبفترة زمنية قد تعد قياسية في حسابات التحول والتطور العالمي، رغم قلة موارد هذه الدول وكثرة مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال سنغافورة هذه الدولة، التي كانت تفتقر إلى أبسط أنواع الموارد الطبيعية، بسبب صغر مساحتها البالغة 710 كم2 والتي تعتبر أصغر من أصغر محافظة عراقية بحوالي ستة مرات إذا ما قارناها مع المحافظات العراقية، من حيث المساحة.

إذ كانت هذه الدولة الصغيرة قبل أكثر من نصف قرن تقريباً تعاني من مشكلات لا حصر لها، منها شح مياه الشرب وانعدام التراب على أرضها، فهي واقعة ضمن جزيرة تقع في الطرف الجنوبي من شبه جزيرة الملايو جنوب شرق آسيا يفصلها عن ماليزيا مضيق جوهر، وعن أندونيسيا مضيق سنغافورة، لذا يتم نقل التراب إليها بواسطة القوارب من خارج سنغافورة، من أجل البناء فيها.

وبما أن الماء والتراب من أساسيات التنمية والتطور، في أي بلد من بلدان العالم، وبالتالي فقدانهما يشكل عامل إعاقة أمام تقدم البلد، فضلاً عن وجود مشكلات أخرى، كانت تعاني منها سنغافورة، كالصراع العرقي والديني والفساد المالي والإداري، الذي انتشر في جميع مفاصل الحياة السنغافورية.

ومما زاد الطين بله هو انفصالها عن الاتحاد الماليزي بطلب من ماليزيا في منتصف ستينيات القرن الماضي، ما أدى ذلك إلى تفاقم الأمور فيها بشكل كبير، فأصبحت الفوضى والتخلف الثقافي والانفلات الأمني سمة من سمات هذه الدولة، حتى صُنفت آن ذاك واحدة من أخطر بقاع العالم بسبب انتشار الجريمة المنظمة وانتشار البطالة فيها، لكن رغم كل ذلك استطاعت هذه الدولة من التغلب على جميع الصعاب، التي كانت تقف حائلاً دون تقدمها، وذلك بعد فوز مخلصها وباني مجدها (لي كوان يو) في الانتخابات البرلمانية كأول رئيس وزراء لدولة سنغافورة، ولمدة ثلاثة عقود متتالية.

فكانت سياسته قائمة على الاستثمار في الإنسان السنغافوري، قبل أي استثمار آخر، وذلك من خلال الاهتمام بالتعليم وإعداد المعلم إعداداً جيداً، وتكثيف البعثات العلمية للخارج، من أجل رفد البلاد بالخبرات العلمية والتقنية، والاعتماد على الكفاءات العلمية في عملية النهوض الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى سن القوانين الصارمة، التي نظمت حياة المجتمع السنغافوري، وفرض عقوبات قاسية لمن يرتكب أي نوع من أنواع المخالفات، حتى سميت سنغافورة ببلد القوانين.

فكان الجميع بلا استثناء يخضع لسلطة القانون حتى أصبح البعض يرى أن تلك الجزيرة الصغيرة لولا تلك القوانين لما استطاعت من فرض نفسها كدولة مهمة لها مكانتها بين كبريات الدول في المنطقة والعالم، فأصبحت اليوم بفضل تلك السياسة رابع مركز مالي في العالم وخامس أغنى دولة، من حيث احتياطيات العملة وثالث أكبر مصدر للعملة الأجنبية في العالم، وأن مستوى دخل الفرد السنوي فيها حوالي 18 ألف دولار.

وبهذا تكون معدلات مستوى المعيشة لأفرادها هي من بين أعلى المعدلات في آسيا والعالم، بينما أخفقت دول أخرى في إحداث أي نوع من أنواع التنمية في بلادها، على الرغم من امتلاكها كل مقومات التطور والازدهار، الذي يتيح لها الانتقال بشكل سلس إلى مرحلة جديدة من مراحل النمو الاقتصادي والاجتماعي، إلا أنها بسب غياب التخطيط التنموي فيها والصراع، من أجل المصالح الحزبية والشخصية وعدم الاستفادة من تجارب الآخرين، ظلت بعيدة عن عوامل التطور والازدهار.

 

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرامالنعيم نيوز

ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى