المرجع الفياض: التبليغ هو وراثة من هدي الأنبياء فينبغي أن يجمع كل الكمالات الممكنة
أكد المرجع الديني الكبير الشيخ محمد إسحاق الفياض، اليوم الثلاثاء، أن التبليغ هو وراثة من هدي الأنبياء فينبغي أن يجمع كل الكمالات الممكنة.
وقال في كلمته، وتابعته “النعيم نيوز”. “بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.. قال تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم : (ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا) خير القلوب بلا شك اوعاها للعلم وانبتها للكلمة الطيبة والموعظة المؤثرة ولقاح هذه القلوب هو وصلها بمجار الحس والشعور منها”.
وأضاف، “وليس كمثل التبليغ وسيلة ناجحة ومؤثرة في الوصول الى قلوب المؤمنين خصوصا في الاوقات المناسبة ومنها المواسم الدينية اذا راعى المبلغ والمتحدث شروط التأثير الصحيح في السامعين التائقين الى الاتصال بشرائع دينهم الساعين الى نثر درك قلوبهم وشحذ نفوسهم بالمعاني السامية والاخلاق الفاضلة”.
وتابع، “إن التبليغ أيها الإخوة هو وراثة من هدي الانبياء وما بقي من رسالاتهم فينبغي ان يجمع كل الكمالات الممكنة ليُحدث تأثيرا محمودا في قلوب السامعين فليس من السهل ان يصغي اليكم من فارق الحياة واسببابها المادية وطبّعته الفئة التي ينتمي اليها بطبائعها ماذا يعني المتحدث اليهم قد تحمل مسؤولية الكلمة التي يلقيها بالامانة التي اؤتمن عليها ولا سيما ان اكثر تلقي علوم المؤمنين لإعقادئهم ومسائل دينهم هو ممن يثقون بهم من الخطباء والمبلغين وان قلة منهم يراجعون العلماء العدول او الكتب المعتبرة فعلى المبلغ مسؤولية عدم الشكوك في حديثه وشواهده وامثلته وانتزاعته من المورث عن السليقة المستقيمة للعقول ولا ينحرف عن محكمات الدين ويقف عند متشابهاته ويردها اليه متحريا بذلك الصدق طالبا فيها المصادر الصحيحة والمعتبرة عارفا بمزالق الاقدام ليجتنبها فاذا كان كذلك او قريبا منه تاقت نفوس مستمعيه الى التخلق بجميل ما يرشدهم اليه وتورعت عن عظيم ما يحذرها منه ويتفهم اصحابها معاني المنطقة التي يُريد ان ينفعهم اليه ويحثهم نحوه اما الخطابة بصورة عامة وفي موسم عاشوراء بصورة خاصة تتطلب تذكير الامة بالعهد الذي خلفّته التضحية المفجعة للامام الحسين عليه السلام من خلال كلماته التي دوت وما زالت في صفحات التأريخ : (ما خرجت اشرا ولا بطرا وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي).
وأردف المرجع الفياض، “فالعهد هو الاستقامة في الدين بكل نواحيه الشرعية والاخلاقية والحكمية وعدم تغليبها الاهواء والعصبيات والانتماءات الثانوية عليه والنصيحة لكل المسلمين والاعتدال والتواضع وهضم العجب والغرور بمعرفة الحق وتجنب الرياء فكل ذلك يدخل في الاصلاح بالنفس والمجتمع ففي الحديث الصحيح عن زيد الشحام قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا”.
وقال، وعلى ضوء ذلك تحسن الاشارة الى مهمات ما ينبغي مراعاته عند الخطابة والتبليغ
اولا : الإهتمام ببيان بعض الأحكام الشرعية التي لا يُعذر من يجهلها لإرتباطها بأفعال الانسان اليومية وتحذير الناس من كبائر الذنوب وتعليمهم إياها ليجتنبوها والإلتفات إلى ذات بينهم ليصلحوها والنهي عن العصبية واحتقار صغائر الذنوب لئلا يتمادوا في الإنزلاق في مزالق المعصية والخروج بالتالي عن أهلية الولاية الحقيقية ففي بعض الحديث عن الصادق عليه السلام : « انَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ ، وَصَدَقَ الْحَدِيثَ ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ ، قِيلَ : هذَا جَعْفَرِيٌّ ، فَيَسُرُّنِي ذلِكَ ، وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ السُّرُورُ ، وَقِيلَ : هذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ ؛ وَإِذَا كَانَ عَلى غَيْرِ ذلِكَ ، دَخَلَ عَلَيَّ بَلَاؤُهُ وَعَارُهُ ، وَقِيلَ : هذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ ».
على ان الناس إذا جلست تستمع إليكم ايها الإخوة فقاموا ولم يستفيدوا علماً بمسائل دينهم ولا فضيلة او أدباً يُقرب نفعهم فيما بينهم ولغيرهم ويشد في إجتماعهم كنتم أنتم المسؤولون عن ذلك قبل ان يُسألوا لمَ لم تتعلموا”.
ثانيا : ارشاد الناس الى فضائل أهل البيت عليهم السلام ومعاني الاخلاق التي علموها لإصحابهم فانها رسالتهم إلى عموم الناس وان يكون لذكر الحوادث التأريخة ربطا ومغزىً في موضوع الهداية والارشاد الذي من اجله اقيمت هذه المنابر بالاضافة الى التثبت في النقل واعتماد الصدق في التحري عن المفيد منها ، كما ينبغي ترك كثرة الخوض في الخلافات التأريخة الموغرة للصدور بلا هدفٍ تربوي يترتب عليها وتوجيه اذهان الناس وطاقتها بدلا من ذلك الى ترغيبها بالاعمال الصالحة والعطاء والمشاركة في اصلاح ما فسد في الاجتماع ومقاومة كثرة الافكار الغريبة التي تنسابُ ضمن الطرق الحديثة للتواصل والاتصال فان محاربة الدخيل على النظام التربوي الاسلامي يحتاج الى التضامن والتآزر بين جميع المسلمين لحفظ ذات بينهم واصلاح شأن تربيتهم لاجيالهم ويكفينا ان نذكر هنا انموذجا من التعايش الذي كان الائمة عليهم السلام يُريدونه في المحيط العام حتى المخالف لهم وهو ما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن وهب قَالَ قُلْتُ لَه كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيمَا بَيْنَنَا وبَيْنَ قَوْمِنَا وبَيْنَ خُلَطَائِنَا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَيْسُوا عَلَى أَمْرِنَا؟ قَالَ : تَنْظُرُونَ إِلَى أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تَقْتَدُونَ بِهِمْ فَتَصْنَعُونَ مَا يَصْنَعُونَ فَوَاللَّه إِنَّهُمْ لَيَعُودُونَ مَرْضَاهُمْ ويَشْهَدُونَ جَنَائِزَهُمْ ويُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ لَهُمْ وعَلَيْهِمْ ويُؤَدُّونَ الأَمَانَةَ إِلَيْهِمْ.
وفي الصحيح ايضا كما في المحاسن عن عبد الله بن سنان قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول « أوصيكم بتقوى اللّه ، ولا تحملوا الناس على أكتافكم فتذلوا ، إن اللّه تبارك وتعالى يقول في كتابه : وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً .
وفي ذلك إرشاد، الى مداراة الافهام وعدم تنمية العصبيات والخلافيات ومخاطبة الناس بما يعرفون وتجنيبهم ما لا يزيد في تقواهم ولا ينقص من دينهم عدم الخوض فيها .
اما النقطة الثالثة التي نختم بها خطابنا إليكم فهي : الحذر من استرسال وراء الاخبار الضعيفة طلبا لرواية بعض الغرائب اذا لم يكن عليها شواهد واضحة تعضدها خصوصا في الكتب التي لا تعد من الكتب المعتبرة فينبغي التأكد من مضامينها لا تعارض المعروف الثابت الذي تلقاه العلماء بالقبول ولا يكون مصادما لمحتوى القرآن الكريم وقد كان الثقاة الممدوحون من الائمة عليهم السلام كثيري التفرج في الحديث والنسبة للمعصومين عليهم السلام وفي هذا الصدد يروي الكشي بسندٍ صحيح عن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن ان بعض الاصحاب انكر على يونس كثرة رده للاخبار فاجابه ان هشام بن الحكم سمع ابا عبد الله عليه السلام يقول : لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق القرآن والسنة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة ، فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي ، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وآله فانا إذا حدثنا ، قلنا قال الله عز وجل ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله . قال يونس : وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين ، فسمعت منهم وأخذت كتبهم ، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام .
وفي نفس الحديث، وهو طويل يقول الامام الرضا عليه السلام : لا تقبلوا علينا خلاف القرآن فانا ان تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة ، فان مع كل قول منا حقيقة وعليه نور.
فحريٌ بطلبة العلوم الذين يرتقون المنبر ان لا يتجاوزوا الحدود التي رسمها الائمة في الحديث عنهم ودعوة الناس بدلاً من ذلك الى طريقتهم المقتصدة ومنهاجهم الواضح وهديهم في القول والعمل وفيما تقدم من النقل عنهم وما طفحت به الروايات وكتب علمائنا الابرار غنا وكفاية لمن اراد التثبت في الدين والوقوف عند حدود رب العالمين نسأل الله تعالى ان يوفقكم لرفع اعلام الدين ويرزقكم مراضيه ويمدكم بالبصيرة في القول والعمل”.