كتب أ.د. طلال ناظم الزهيري: قصيدة محمود درويش الشهيرة، “سجل أنا عربي”، لا تزال تتردد في ضمير الشباب العربي، ويتردد صداها مع الأجيال التي نشأت وتعلمت حب فلسطين حتى قبل أن تتعلم القراءة والكتابة.
كانت أشعار درويش، إلى جانب الشعر المؤثر لغسان كنفاني وفدوى طوقان وغيرهم من شعراء المقاومة الفلسطينية، بمثابة اقتباسات ثورية، تنسج سردية الوحدة والتفاني الذي لا يتزعزع للقضية الفلسطينيَّة.
ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، خيم صمت مروع على الفصول الدراسية في الدول العربيَّة. إن المنهج الدراسي النابض بالحياة والذي كان يردد صدى أبيات شعراء المقاومة أصبح هادئاً بشكلٍ مخيف.
والسؤال الذي يلوح في الأفق الآن هو: أين وكيف ولماذا اختفت فلسطين من مناهجنا الدراسية؟ إنه سؤال مؤرق يتردد من خلال أصوات المثقفين والمعلمين وأولياء الأمور المعنيين، في جميع أنحاء العالم العربي.
لم تعد حناجر طلابنا تتغنى بالأشعار الثورية للشعراء العرب التي أشعلت نيران المقاومة ذات يوم. لم نعد نسمع «طالع لك يا عدوي طالع، من كل بيت وحارة وشارع» في محطات الإذاعات العربيَّة. صمتت أجراس العودة التي كانت يوماً رمزاً للأمل، تاركة وراءها فراغ في الوعي العربي الجمعي. إن اختفاء فلسطين من المشهد التعليمي يثير أسئلة مثيرة للقلق.
كيف تمكن العدو من تغيير البوصلة؟
كيف وجدت المجتمعات العربيَّة نفسها متورطة في خلافات طائفية وعرقية ودينية، وابتعدت عن الوحدة التي ميزت العالم العربي ذات يوم؟
كيف أسدل الستار على قضية وحدت الشعوب العربيَّة من المحيط إلى الخليج؟
لقد لعب التسلل الشرير للأيديولوجية الصهيونيَّة إلى قنوات الإعلام العربي دوراً مهماً في تشويه السرد قضية فلسطين. لقد عملت الآلة الدعائية للعدو جاهدة على شيطنة المقاومة والتشكيك في دوافعها وتقويض شرعيتها. ومن ناحية أخرى، تم إسكات الأصوات العربيَّة التي رددت ذات يوم الدعوة إلى العدالة والتحرير، أو ما هو أسوأ من ذلك، تم اغتيالهم في ظل صمت عربي مخيف.
وفي هذا السياق تبرز مقارنة لافتة للنظر عندما ينظر المرء إلى تصوير المآسي التاريخية في عالم السينما.
أنتجت هوليوود، على سبيل المثال، العديد من الأفلام التي تصور قصة المحرقة، حتى تضمن أن العالم لن ينسى أبداً هذا الفصل المظلم من التاريخ. في المقابل، فشلت السينما العربيَّة، مع استثناءات قليلة، إلى حد كبير في الدفاع عن القضية الفلسطينيَّة، مما سمح لقصة فلسطين بالتلاشي في الخلفية. لقد كشفت الاضطرابات الأخيرة، وخاصة طوفان الأقصى، عن الواقع الصارخ. لقد أصبحت الخطوط الفاصلة بين أولئك الذين يدافعون عن القضية الفلسطينيَّة العادلة، وأولئك الذين تتلاعب بهم القوى الخارجية واضحة بشكل لا لبس فيه.
لقد ألقت الخيانة والاستغلال بظلالها على نقاء الصرخات الثورية، مما أدى إلى خيبة أمل الكثير. ورداً على ذلك، نطلق نداء من أعماق كل القلوب العربيَّة. النقية أعيدوا فلسطين إلى مناهجنا المدرسية. علموا الأجيال أن فلسطين ليست مجرد قطعة أرض، بل هي روح لا تقهر تصرخ وتناديهم.
لتسمع مرة أخرى أبيات الشعراء العرب الذين غنوا عن فلسطين عبر مكبرات الصوت في المدارس والجامعات، لتشعل نار المقاومة في العقول الشابة. لقد آن الأوان أن ندرك أن حلم السلام مع الكيان الغاصب ليس أكثر من وهم وسراب، يصرف الانتباه عن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها.
أولئك الذين يدعون إلى التطبيع يخونون إرث المقاومة، ويضحون بشرف أمة بأكملها من أجل مكاسب سياسية قصيرة الأمد. وفي مواجهة هذه الخيانة، فلتتردد صرخة مدوية في جميع أنحاء العالم العربي: فلسطين قضيتنا الأولى، وجرحنا العميق، وكرامتنا المسروقة. إنها صرخة تتجاوز الحدود والاختلافات، لتذكر كل نفس عربية بواجبها في الوقوف صفاً واحداً في وجه الظلم، وتكريم للشهداء والمقاومين الذين ضحوا بحياتهم في سبيل أنبل القضايا.
وفي أصداء هذه الصرخة يكمن الأمل في الصحوة، وعودة الالتزام الذي لا يتزعزع والذي كان يميز العالم العربي ذات يوم.
إنها دعوة للعمل، لحث الدول العربيَّة على استعادة تراثها ووحدتها وحبها الذي لا يموت لفلسطين. ففي قلب كل عربي، لا تزال شعلة المقاومة تومض، في انتظار أن تشتعل من جديد، وتصبح أكثر إشراقاً وقوة من أي وقت مضى.