لم يكد عام 2023 ينتهي حتى أقامت جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين فرع كربلاء معرضها الفني لتستقبل العام الجديد، بفنّ وروحٍ وثّابة نحو الجمال، معرض أطلقوا عليه (مقامات لونية) وكأنهم يحاكون النغم اللوني ويحوّلونه إلى مقاماتٍ تطرب الناظرين من خلال تنوّع الأعمال الفنية، التي أبدعتها أياد ومخيّلة الفنانين في كربلاء.
والتي توزّعت بين مدارس مختلفةٍ ولوحاتٍ متنوّعة وألوانٍ متشعّبةٍ وأفكارٍ متعدّدةٍ مستوحاة من الواقع اليومي والعلاقات الفنية التي تربط المخيلة بالطبيعة.
الفنانون الذين بلغت أعدادهم ثلاثةً وثلاثين فنانًا وفنانة شاركوا بنحو 60 عملًا فنيًا بين الرسم والنحت والسيراميك، حتى لكأنك تزور واحةً من الألوان وتسمع ضربات الفرشاة، وكأنها تغني بين التكعيبية والطبيعية والبورتريت والنحت الذي مازج ما بين اللوحة وتشكيلاته، التي بدت ثلاثية الأبعاد، كما هي في منحوتات الفنان حسين الإبراهيمي التي أبرز فيها السطح الخارجي، وكأنه يطرّز العلامات المخيالية لإنتاج لوحة مرنة في الفهم العام والتلقّي ودقّة الحركة الأزميلية.
وكانت أعمال الفنان فاضل ضامد تتراقص ألوانها، مشكّلةً مساحة من روح التعبير عن الداخل المزدحم بالمخيّلات، مالئًا لوحتيه اللتين شارك بهما بالعلامات الأيقونية التي جلبها من عمق مخيّلةٍ ناضجة.
ويأخذك الفنان عايد ميران إلى عمل اندمجت فيه الواقعية بالتجريبية، معتبرًا اللون مرآة لاستعراض الروح الداخلة في معاني اللوحة. فهو لا يملأ اللوحة بالألوان والحركات، بل يترك فراغًا لكي يملأه المتلقّي نفسه، باعتبار أن التجريب مشاركة بين الداخل والخارج في تفسير اللوحة.
في حين يعتمد الفنان عماد جواد على المدرسة الانطباعية. التي يجيدها بشكلٍ ملفت. حتى لكأنه يرسم تجاعيد العمر في لوحته التي أخذت زاوية العرض، ملوّحًا بنغم أيقونته الواقعية التي تنقل المكان وما حوله والإنسان وما يعتريه.
وهو الأمر الذي فعلته الفنانة ميسون عبد الرزاق في نقل الواقع بحركاتٍ لونيةٍ تعطيها البعد الواقعي التام، وكـأن ضربات الرجل (الصفّار) تسمعها على شكل أيقونةٍ لونية.
لكن الفنان أياد زيني الذي استخدم الألوان المائية لنقل الصورة الواقعية ولكن من خلال تداخل الحركة التجريبية، التي تعطي الملامح الانطباعية بقدر ما تعطي الدلالة التي تبيّن واقعية الصورة مع حركة الفرشاة بانهمارها اللوني المائي، وكأنه يعطي المرأة العجوز ذلك التأمّل المختصر لمعاناة الحياة.
المعرض يعكس مدى تنوّع الأساليب والأفكار التي تم تنفيذها من قبل الفنانين، وكأن هناك تنوّعا كبيرا في الانحناءات، والألوان، والقوام، والخامات المستخدمة في الأعمال الفنية.
وقد أتاح للمتلقّي الاطّلاع على مدى التطوّر والتنوّع في فنون التشكيل في كربلاء، كما سمح للمتأمّلين بالاستمتاع بالجمال والإبداع الفني الرائع.
فنرى مثلا لوحات الفنان محمد حاتم وكأنها اشراقاتٌ تتراقصُ على اللوحة، يعطيها اللون الهادئ على شكل إشارات لحنية بحركة فرشاةٍ تناغم الألوان في تداخلٍ مبهرٍ موزّعٍ بين اللوحة من القاعدة الى الأعلى، وكأنه يصعد بالفكرة اللونية الى مديّات المعطى الدلالي.
في حين يأخذنا الفنان عبد الكريم شاكر الى اللوحة، التي مازج فيها بين الطبيعة لحركة الحصان والتجريب في استغلال الحركة لتبيان ضربات اللون لتكون دلالة على الثقة والكبرياء في هذه الحركة الحصانية، وكأنه يتأمّل ما حوله من ارهاصات الواقع.
بشكل عام تنوّعت مدارس الفنانين ولوحاتهم وأفكارهم في المعرض، لكن المعنى واحد وهو أن الألوان أيقونات لحنية أيضا، مثلما كان فرصةً رائعةً للزوار للاستمتاع والشعور بجمالية العمل الفني والاستمتاع بتجربةٍ مميّزة.
بما يعني تعزيز التفاعل ما بين الفنان والمجتمع في رسالةٍ ثقافيةٍ نحن أحوجُ ما نكون لها في الزمن الراهن.
الأعمال المشاركة تنوعت ما بين التكعيبيَّة والطبيعيَّة والبورتريت والنحت.
علي لفتة سعيد