كتبت نرمين المفتي….تعقد محكمة العدل الدولية في لاهاي اليوم، الخميس، وغدا جلساتها للنظر في الدعوى القضائية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد (إسرائيل) التي تتهمها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ابادة جماعية ضد الفلسطينيين. وتعدُّ هذه الجلسات تاريخيّة، اذ لأول مرة يمثل الكيان الصهيوني امام هذه المحكمة.
وبادرت جنوب افريقيا إلى رفع هذه القضية التي تقدم حججها في 80 صفحة تضم متابعاتها لحرب الابادة، التي تجري على مدار الساعة منذ الثامن من شهر تشرين الاول الماضي، فضلا على تقارير الامم المتحدة والمنظمات العالمية الاخرى. وجاء في بيان صادر عن محكمة العدل الدولية انه (بحسب الدعوى فان «الأفعال من الجانب الاسرائيلي هي إبادة جماعية في طابعها، أنهم ملتزمون عن قصد بتدمير الفلسطينيين في غزة باعتبارهم جزءا من المجموعة الوطنية والإثنية والعنصرية الفلسطينية الأوسع. سلوك إسرائيل من خلال اجهزة الدولة ووكلائها وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو بموجبها أو بناء على تأثيرها وسيطرتها بالنسبة في ما يتعلق بالفلسطينيين في غزة يعدُّ انتهاكا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الابادة الجماعية».
لم ترفع جنوب افريقيا الدعوى فقط لان دستورها الذي يعدُّ الوحيد في العالم الذي يلزم الدولة بملاحقة مرتكبي جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم الابادة الجماعية، بل لأن لديها الوعي الكامل بالشرط الصعب الوارد في اتفاقية الامم المتحدة لمنع الابادة الجماعية المؤرخة في 8 ايلول 1948 وهو ضرورة اثبات القصد لدى مرتكب الجريمة. اذ جاء في مادتها الثانية (أي فعل من الأفعال التالية المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية) والأفعال، كما جاء في الفقرات 1 و 2 و 3، هي (قتل أعضاء من الجماعة. إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم لأعضاء الجماعة.. إخصاع عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا). واوكلت جنوب أفريقيا القضية التي اعدت ملفها القانوني كاملا لإثبات القصد إلى افضل المحاميين لديها، للمرافعة أمام محكمة العدل الدولية.
رفض نتنياهو الدعوى متهما «المقاومة الفلسطينية بارتكاب جرائم ابادة جماعية» ووافق على حضور من سيمثل الكيان «لدحض الحجج التي قدمته جنوب افريقيا». ويترافع عن الكيان المحامي الأمريكي المشهور (آلان ديرشوفيتز) والذي جاء اسمه ضمن فضيحة الملياردير الأمريكي (جيفري ابستين)، الذي انتحر في سجنه في 2019 قبل البدء في محاكمته بتهم جنسية والاتجار بالقاصرات. وكانت قاضية في نيويورك قد وافقت يوم الاربعاء من الأسبوع الماضي على نشر وثائق فضيحة ابستين والأسماء الواردة فيها، ومن بينها اسم ديرشوفيتز الذي حاول إبعاد التهمة عن نفسه، وكان في الاساس محامي دفاع عن ابستين، ولكن هناك امرأة ادعت بأنه اقام علاقات جنسية معها عندما كانت قاصرا.. والان، لم يجد وسيلة دفاع عن نفسه سوى «ان هناك من يلصق به التهم فقط لانه يهودي»..
لا تطالب جنوب أفريقيا بحكم قضائي بات والذي يحتاج تبنيه إلى سنوات عديدة، بل تطلب امرا مستعجلا باتخاذ اجراءات تحفظية ضد الكيان الصهيوني، لوقف جريمة الابادة التي يرتكبها ومنع ارتكابه المزيد منها. والمعروف ان محكمة العدل الدولية تشكل الجهاز القضائي الرئيسي للامم المتحدة، وصدور الأمر المستعجل الذي تطالب به جنوب أفريقيا يعني كشف الوجه الحقيقي العنصري للكيان وتوحشه وانتهاكه للقوانين والاتفاقيات الدولية.
ويذكر ان البيان الختامي للقمة الاستثنائية الإسلامية العربية، الذي عقد في الرياض في شهر تشرين الثاني الماضي كان قد دان «العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها». وكان من ضمن وصايا المؤتمر العمل على جمع ملف كامل بجرائم الحرب المرتكبة، ونأمل ان ينتهي المكلفون بهذه المهمة ان كانوا قد بدؤوا بها لرفع دعوى اخرى امام محكمة العدل الدولية، التي يعدُّ جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة، اعضاء بها ايضا..