كتبت سناء الوادي: يلوح في الأفق القريب اجتياح دام لرفح الفلسطينية وسط موجة عارمة من الرفض العالمي لذلك متمثلا بتواتر التصريحات الرسمية الغربية الغاضبة، حتى أن الغزيين الهاربين من سيل الدم في شمال قطاع غزة ووسطه والملتجئين في رفح في ظل الظروف اللاإنسانية المقيتة وبعد أن ضاقت بهم سبل النجاة من المخطط القذر الذي يسعى لتنفيذه عميل اليمين المتطرف « نتنياهو».
مهما كان الثمن ضارباً بعرض الحائط كل التحذيرات الأمريكية بوجوب حماية المدنيين قبل البدء بها فإلى أين سيذهبون قالها وبامتعاضٍ واضح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي «جوزيف بوريل» أيذهبون إلى القمر؟ لكنه وبغياب الجواب الواضح على كل تلك المخاوف حول مصير قرابة المليون ونصف إنسان من الجانب الإسرائيلي، يتضح لنا أن السبيل الوحيد لدى أهل غزة الناجين هو العبور إلى الجانب المصري إتماماً لما بدأه هذا الشيطان منذ ثمانين عاماً وأكثر، فالقصّة الصهيونية لم تبدأ بطوفان الأقصى ولم تبدأ بوعد بلفور العام 1917م كما يظن البعض لكنها على الأغلب كانت قبل ذلك بكثير منذ بدء التوافد اليهودي من دول العالم إلى فلسطين والقيام بشراء الأراضي من الدولة العثمانية لحساب الأثرياء من يهود أوروبا، إذاً فإنَّ ردة الفعل الدامية لنتنياهو على الطوفان المتركزة على قتل الأبرياء وتهجيرهم من قطاع غزة والتذرع بغايته في تدمير حماس ورجالاتها وقوتها ماهي إلا حلقة من مسلسل تصفية الوجود الفلسطينيّ وما يتبع ذلك حكماً من موت القضية الأزلية لهذا الشعب المشتت هنا وهناك في بقاع الأرض.
وممّا لاشك فيه أنَّ الدعم الكبير من سيد البيت الأبيض لطفلته المدللة يصب في هذا المنحى رغم كل الفقاعات الإعلامية التي يطلقها بين الفينة والأخرى، فنرى إدارة الرئيس تسرّب للإعلام نفاذ صبر بايدن وغضبه من تمرّد نتنياهو على الرغبة الأمريكية بعدم التصعيد ومحاولة التوصل إلى صيغة هدنة ترضي كل الأطراف، بيدَ أنها ورقة انتخابية يلاعب بها الرئيس العجوز القاعدة الشعبيّة الرافضة للدعم اللامحدود واللا مشروط لهذا القاتل المجرم، غير أنّه على أرض الواقع وفي الظل فإن واشنطن ملتزمة بنهجها الممتثل لإرادة الدولة العميقة برعاية مصالحها في الشرق الأوسط بالحفاظ على هذا الزرع الشيطاني في الجسد العربي.
وفي هذا السياق فإن جمهورية مصر العربية التي نبّهت منذ البداية لمخطط التهجير وتصدّت له بكل قوتها، إدراكاً منها مدى تداخل ذلك مع أمنها القومي، فاتساع رقعة الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ لا يصب إلا في المصلحة الصهيونية فقط ولا يرخي على دول الجوار إلّا بظلال انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي ويجعل منها صفائح رخوة على حساب تنامي القوة المعادية، ولذلك يندرج ما قامت به وكالة رويترز يوم الخميس 15 الجاري من نشر تصوير الأقمار الصناعية لشركة ماكسر – والذي يظهر بناء مصر لمنطقة عازلة بالقرب من الحدود مع رفح بمساحة 10 كم مربع وارتفاع الحواجز الخراسانية لمحيط هذه المنطقة قرابة سبعة أمتار وأشارت إلى أنها تتسع لنحو مئة ألف نازح من غزة – وهنا يبرز سؤال ملّح ما الغاية من محاولة توريط القاهرة بمشروع التهجير، فما أنْ انتشرت تلك الصور حتى شكك الجميع برضوخ الجانب المصري للضغوط الغربية وتساءلوا عن مدى ضلوع مصر بصفقة القرن وما هو المقابل الذي سيعطى لها في ظل غياب الرد الرسمي المصري وعدم توضيح ذلك.
هذا وعند التدقيق في ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية بأنَّ عملية رفح تشكل النصر المطلق، فإن ما تحمله طيات كلماته كان يعبر عن سياسة الدفع نحو الهاوية، فرفح ستحقق له الإنجاز الذي يسعى لتحقيقه من أربعة أشهر ولم يستطع وللاستدلال على ذلك فإن استمرار الإيحاء للنازحين في رفح بالذهاب إلى منطقة المواصي الشاطئية التي يفصلها عن الجانب المصري فقط حواجز اسمنتية بسيطة بمقدور طفل في العاشرة من العمر أن يجتازها ناهيك عن تميّز هذه المنطقة بعدم وجود لسان حاجزي ممتد في البحر، وكأنها تلّوح للمريض بالدواء أمام عينيه فالعدو من ورائكم وسيناء من أمامكم فأين ستذهبون؟
وهنا أود أن أشير لمقال كتبه وليم هيغ وزير الخارجية البريطانية السابق في صحيفة التايمز بأن اجتياح رفح هو خطأ فادح من نتنياهو فإذا استطاع اليوم قتل قادة حماس ستعود مستقبلا للظهور بشكل أقوى وأشرس إذا ما كانت الغاية فعلاً وأد حركة المقاومة «حماس» في ترميز واضح لقرابة 17 ألف طفل يتيم سيكبرون قريباً وسيثأرون لذويهم بلا رحمة، وعند التركيز على ختام مقالة هيغ بأن مستقبل الشرق الأوسط يتوقف على رفح، وهو ما يتفق مع رأي الكثيرين بأن ذلك سيفجر كل الجبهات السورية والعراقية واليمنية وقد يشعل حرباً في جنوب لبنان ويتوّج ذلك بنسف أو تعليق اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر لتتحول الأخيرة من وسيط للتهدئة والتوصل للحلول إلى عدو شرس لن يسمح لأحد بالمساس من أمنه القومي ، ومن هنا يتضح هدف الكيان المحتل من تشويه صورة مصر وجرّها إلى صفقتها القذرة بشتى السبل.