كتب واثق الجابري: يشهد العراق استقراراً سياسياً وإعماراً غير مسبوق، لكنه سؤال هل الاستقرار هو من جلب الإعمار، أم أن الإعمار ولد الاستقرار؟
لا شكَّ أن عدم الاستقرار في سنوات سابقة، أوقف مشاريع الإعمار لأسباب أمنية وتقاطعات سياسية، وفتح نوافذ وأبواب الفساد وسوء الإدارة، وشيدت الفوضى وأضعفت تطبيق القانون والمشاريع، التي أصبحت تحت تأثير السياسة والقوة والمال والنفوذ، وبدل التوجه للإعمار وبناء الدولة، سعت أطراف متعددة إلى إعمار ذاتها ودمار البلد، وفقدت حال التعاون بين الطبقة السياسية، من جانب ومع مجتمعها من جانب آخر.
تشير جوانب متعددة إلى حاجة المجتمع الملحة للإعمار وتحقيق احتياجاته الأساسية، وهناك أزمات متراكمة كالسكن والبنى التحتية وفرص العمل، وهذا ما يتطلب مؤسسات تدرس بعناية الأولويات، فالازدحامات المرورية وأزمة السكن ونقص الخدمات، أثرت بشكل أو بآخر على اقتصاد الفرد والعائلة وانعكست على المجتمع، بإضاعة الوقت بالتنقل ودفع أموال إضافية للسكن والخدمات، وأدى إلى تقصير الفرد تجاه العائلة وأحدث مشكلات اجتماعية تخلخل الاستقرار.
إن المواطن بدأ يشعر ويلامس الخدمات وتزيين الشوارع وتوفير وسائل الرفاهية، وإن كان ذلك يعنيه، لكن الأهم أن يجد بيته عامراً وله القدرة على تلبية احتياجات العائلة، التي لا تنفصل عن إعمار المدن، واستقرار اقتصادي مرتبط باستقرار سياسي، يتيح للحكومة العمل، ويجعلها تفكر بتهيئة أرضية الاستقرار بجملة من التفاهمات والحلول الواقعية، وإعداد برنامج بمستويات استراتيجية مختلفة، جعلت من الجهات السياسية والمجتمعية على قناعة تحقيق كل الأهداف، بعد أن صار من المشاريع ماهو شاخص وفي قيد التنفيذ، وكل مؤشرات النجاح المؤدي إلى الإعمار والاستقرار بدأت تفرض نفسها، لأن ما مكتوب على ورقٍ من برامج أصبح واقعاً.
أنتج الاستقرار إعماراً، وأدى الإعمار إلى استقرار، فلا إعمار بلا استقرار ولا استقرار بلا إعمار، وانطلقا بخطين متوازيين متسابقين، وبدأت السلطات والمؤسسات تشعر بأهمية واجباتها ودورها، كما أن المواطن صار يتلمس ما منجز ويأمل ما مخطط له، ومن الاستقرار والإعمار تلاشت الخلافات السياسية، وذهبت الذرائع التي تعطل عمل الدولة، وأتيحت للمؤسسات ممارسة دورها في تحقيق البرنامج الحكومي، الذي يضع في سلم أولوياته محاربة الفساد، الذي كان العامل الأبرز والأكثر تأثيراً في تعطيل وصول الخدمات، وبذلك يمكن القول إن العراق الآن يشهد استقراراً وإعماراً، تقدماً أو تأخراً لأحدهما عن الآخر فإنه سيؤدي إليه.