مقالات
أخر الأخبار

في عالم ما بعد الإنترنت

كتب محمد شريف أبو ميسم: حين قرأت عن عالم ما بعد الإنترنت، تمنيت لو كنت مختصاً في علوم الاتصالات أو تكنولوجيا المعلومات، وحين توغلت في قراءة ما بعد الإنترنت أصابني القلق والشك، ليس لأن المسمى الحقيقي لهذا العالم هو الميتافيرس “Metaverse” ومعنى Meta، ما وراء، و Verse تعني الكون، بل لأن اقتصاد المعرفة الذي يقود هذه الانتقالات المعرفية بهذه السرعة، وهو يحمل معه ما يجعل حياتنا أجمل ويصنع لنا أنماطاً استهلاكية جديدة كل يوم مع وسائل ترفيهية متجددة حد الانزلاق، نحو انعدام الرؤية في قطيعة مع الماضي وغيبوبة في الوعي الجمعي.

 

هو اقتصاد صفري (تنعدم فيه الحيازة للآخر) وتحتكره الجهات الدولية التي تدير شؤون العالم وتهيمن عليه تبعاً لعناصر تفوقها، في وقت يغرق فيه الأفراد والجماعات في غيبوبة الدهشة وتحديداً في المجتمعات المستهدفة، بوصفها مجتمعات مكتظة بالآكلين عديمي الفائدة The Useless eaters، فيما تحتدم الحرب السيبرانية بين القائمين على عوالم هذا التفوق المعرفي.

ومبعث القلق هنا ليس وليداً عما سيقدمه لنا هذا العالم من تقنيات للموجودات التي تحيط بنا عبر أدوات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، لتكون هذه الموجودات شريكة أو راعية لنا في مرحلة ما بعد حقبة الإنترنت، إنما القلق ناجم عن معرفتنا بخلفيات من يحتكر المعرفة، التي ستبرمج هذه الموجودات وتجعلها في خدمة استراتيجيات الهيمنة، التي عمل عليها منذ مراحل ما قبل الإنترنت، وكيف استعان فيما بعد بثورة الاتصالات ومخرجاتها في تدجين الثقافات وانتهاك الخصوصيات المجتمعية وصولاً إلى ما تقدمه لنا اليوم تكنولوجيا المعلومات، من مؤثرات سمعية وبصرية، قوامها الاستهلاك والاشتغال على الشهوات بوصفها رغبات واعية قادرة على تغيير أنماط المحددات الثقافية، التي تتصدى للهيمنة، وصولاً إلى الغرائز بوصفها شهوات غير واعية قادرة على ترويض الموروثات، بما يؤسس لعالم جديد قوامه تدجين الأجيال الجديدة، عالم معد لأغراض الحد من التكاثر السكاني والتغيير الديموغرافي، ومن ثم التوسع دون الحاجة إلى الحروب التقليدية وفق نظرية المليار الذهبي.

وعالم ما بعد الإنترنت بحسب ما يشير له المختصون هو عالم قائم على “السيبرانية” و”إنترنت الأشياء” و”الذكاء الاصطناعي”، بما يجعل هذه المحاور المعرفية تتداخل مع بعضها في سياق تكاملي يطور بعضها الآخر، ويسهم في ولادة أشياء لا قوام لنا في مقاومة جمال تطبيقاتها، وهو ما يسمى بعالم الميتافيرس أو عالم ما بعد الإنترنت، الذي يزيح الإنسان التقليدي ويفتح الأبواب على مصراعيها للإنسان الاستهلاكي المولع بفضاءات افتراضية لا يعرف من أسرارها شيء، ولكنها تمكنه من إنجاز الأعمال دون جهد، وعن بعد، ويمكن أن تدير شؤونه حد التحكم بمشاعره، وهذه هي البداية الحقيقية لانهيار شكل الدولة التقليدية وانطلاق الهيمنة بشكلها الجديد، والسبيل الوحيد للتصدي هو العلم ولا شيء سواه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى