كتب د. حسين محمد الفيحان: الذكاء الاصطناعي باختصار شديد هو إكساب البرامج الحاسوبية بعض صفات التفكير الإنساني، خاصة فيما يتعلق بالاستدلال والاستنتاج واتخاذ الأفعال، ومع الحديث الدائر عن الذكاء الاصطناعي إلا أننا في المراحل الأولى من استخداماته، التي بدأت تنشط في مجالي الصحافة والإعلام، ببروز الحديث عن «الروبوت الإعلامي» أو «المذيع الروبوت»، والذي من خلاله يتم إنتاج المادة الإعلامية بشكل كامل، وهو ما بدأت تعتمد عليه مؤسسات إعلامية كبرى في كتابة المقالات والبرامج.
الأمر الذي بدأ يهدد المنظومة الإعلامية بكاملها، كون الذكاء الاصطناعي في الإعلام، يستطيع أن يقوم بكتابة المادة الإعلامية، من خلال تجميعها وإعادة صياغتها، وتقديمها عبرَ المذيع الروبوت.
إن وجود الذكاء الاصطناعي في كافة مناحي الحياة الإنسانية أصبح واقعاً لا بُدَ من التعامل معه بجدية، على أنه «أتى ولن يذهب»، فالذكاء الاصطناعي دخل بالفعل مجالي الصحافة والإعلام، وبلا شك إذا أحسنا استخدامه سيفيدنا جداً في إعداد المحتوى الإعلامي الإلكتروني من خلال إعداد الخبر، وضبط الخبر، ودقة الخبر، وسرعة الخبر، والتأكد من صحة الخبر، عبر الخوارزميات التي تُشَّبَه بأنها طفل صغير كيف ما تُعلمهُ ينشأ، والموجودة في كافة المجالات ومنها المجال الإعلامي، والتي ستساعد كثيراً في صناعة الإعلام، من خلال مساعدتها الإعلامي أو معد البرامج من الوصول إلى المعلومة بسرعة أكبر ودقة أكثر.
ومع البدايات التي يشهدها الذكاء الاصطناعي في ظهوره بالمجال الإعلامي، إلا أنه استطاع أن يأخذ حيزاً كبيراً من البيئة الإعلامية، وكما أسلفنا فالكثير من المقالات والبرامج اليوم، تُكتب وتقدم من خلال الذكاء الاصطناعي، فهو مؤكداً ستكون له مساحة كبيرة في العمل الإعلامي مستقبلاً.
الذكاء الاصطناعي يعتمد على المدخلات التي يتم إدخالها إليه من خلال البيانات الضخمة الموجودة على شبكة الإنترنت أو البيانات التي يتم تغذيتها لهذا الذكاء، فالخطأ الذي قد يحصل فيه هو ليس من الذكاء الاصطناعي نفسه بل من المدخلات، ومع تطور خوارزميات الذكاء الاصطناعي والبرامج المختلفة له، فإن ذلك سوف يُحسن من المخرجات الإعلامية للذكاء الاصطناعي، ليرى البعض أن الذكاء الاصطناعي وفي مراحله المتقدمة، فأنه لن يهدد الوظائف الإعلامية فحسب، بل سيهدد البشرية في أوجه كثيرة، وهو ما دعا عالم الفيزياء الشهير «ستيفن هوكنك» إلى القول: « أن أكثر ما يخوفني على مستقبل البشرية هو الذكاء الاصطناعي»، كما هناك عدد من الدعوات التي أطلقها علماء الوقت الحالي، لكبح جماح الاستثمار والتطوير في الذكاء الاصطناعي، معتبريه وفي مراحله المتقدمة مهدداً لبقاء البشرية من الأساس.
ومع المميزات الهائلة للذكاء الاصطناعي، إلا أن الكثير يرى انه لن يحل محل الذكاء البشري، غير أنه سيأخذ حيزاً كبيراً من دورنا في الذكاء البشري، فالذكاء الاصطناعي بنهاية المطاف هو أداة الإنسان يستخدمها، وهو اليوم شأنه شأن أي ثورة تكنلوجية عصفت بالإنسان، غير أنها لم تلغي دوره، ولو عدنا للوراء، فان ثورة الإنترنت التي كان ضدها الكثير من البشرية، إلا أن الانترنت اليوم دخل في كافة نواحي الحياة المهنية والشخصية دون انكفاء دور الإنسان الذي عدل في أدائه بما ينسجم ويتوافق معه، وكذا الحال في الذكاء الاصطناعي، الذي يمكن أن يحل مكان الإنسان في الأمور الروتينية المُملة، كالبحث عن الخبر في ثواني مع توفيره مصادر الأخبار، فمهما يوفره الذكاء الاصطناعي من مواد إعلامية جاهزة، لا بد للإنسان من مراجعتها قبل النشر والتقديم، للتأكد من أنها تتوافق مع السياسة المطلوبة والمُشتغل بها، بل وحتى مع النفس والروح الكتابية التي يجب أن تتوفر بالعلوم الإنسانية والاجتماعية.
وباستخدام الذكاء الاصطناعي بدأت بعض الوظائف الصحفية والإعلامية بالتضرر أكثر وأهما الوظائف الكتابية، التي أثر عليها قبل هذا الإنترنت، فالكثير من الصحف المقروءة، التي كانت تباع في المكتبات ويجوب بها الباعة المتجولون الشوارع والأسواق، أصبحت تُقرأ إلكترونياً، فالضرر قائم، لكن مقابل ذلك نشأ نوع جديد من الصحافة وهي الصحافة الإلكترونية أو صحافة السوشيال ميديا، التي ورغم التحفظ على الكثير من محتواها، إلا أنها استطاعت أن توفر بديل سريع يتوافق مع حاجة القارئ.
ورغم كل المخاوف من الذكاء الاصطناعي إلا أنه سوف لن يحل محل الحدس والأحاسيس والعاطفة والتفكير الإبداعي والتفكير النقدي، وهو ما يحتم علينا من وجود الجرأة ليس في مواجهة الذكاء الاصطناعي بل باستخدامه كواحد من أدوات التكنلوجيا المعاصرة، التي إن لم نستخدمها ونوظفها بالشكل الصحيح فهي ستستخدمنا وتوظفنا.