كتب كامل داود: تشير الدراسات الأنثربولوجية الثقافية إلى أن اختراع الإنسان للكتابة، هو أهم ثلاث نقلات علمية في تاريخ البشرية، بالكتابة تمكن الإنسان من تدوين خبراته وتجاربه على هيئة رموز يمكن فكها بالقراءة، إن عصر التدوين هو مفتاح رقي الإنسان وازدهار وعيه وانتقاله من الحياة البدائية البسيطة إلى المدنية، وتذليل تحديات الطبيعة.
وبفعل القراءة تشكلت الأفكار والرؤى، وتحولت الجماعات المتناحرة إلى مجتمعات تسودها قيم وقوانين، الأمر الذي شكل تنظيم الدول وإدارة الموارد الاقتصادية بشكل منظم، يسهل حياة الإنسان ويوفر له سبل العيش الآمن والرغيد.
لذا فإن القراءة هي الفاعل الأهم في صقل المعارف وتنمية الذوق وبناء شخصية الفرد، بما ينسجم مع أنساق وتشكيلات الهرم الاجتماعي.
شغلت القراءة الرافد الأكبر للثقافة والوعي، وبواسطتها يتبلور سلوك الأفراد وميولهم، وازدهر الكتاب لقرون عدة، كموئل للشغف المعرفي والارتقاء بالعقول، وطبعت الكتب بأحجام وأشكال مختلفة حتى تلائم حاجة القرّاء، وكانت الكتب محل تفاخر بين الناس، اقتناءً وقراءة، وكانت البيوت لا تخلو من مكتبات صغيرة أو كبيرة، لكن وسائل الاتصال التي نتجت عن الثورة المعلوماتية الإلكترونية، وسهولة الحصول على المعلومة، وإن كانت خاطئة أو مغرضة، أبعدت الكثير عن قراءة الكتاب، وخلقت موجة عارمة من العزوف عن مطالعة الكتاب الورقي.
وفي دراسة طريفة، لمؤسسة الفكر العربي، التي أصدرت تقريرها عن التنمية الثقافية في الوطن العربي، فقد تبين لها، أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ حوالي 200 ساعة سنويّاً، بينما في العالم العربي لا يتعدى 6 دقائق سنويّاً، والمثير أنه في تناقص.
ولعل تفشي انعدام الرغبة بالقراءة يعود إلى عدة أسباب، منها ما يتعلق بغياب الوعي بأهمية القراءة، واستحواذ وسائل التواصل الاجتماعي على اهتمام الأفراد، وتردي العلاقة مع الكتاب الورقي بغياب المكتبات المنزلية والمدرسية، ولربما هنالك موانع أخرى تقتضي وقفة جدية تنهض بها الدولة والمختصين بهذا الشأن، لكي تمسك القراءة طريقها إلى قلوب الناشئة، ويستعيد الكتاب أمجاده ودوره في نقل المعرفة والتنوير الإنساني.