انفتاح العراق.. شراكات دولية وآفاق جديدة
كتبت وفاء الفتلاوي: شهد العراق خلال السنوات الأخيرة تغيرات جذرية في سياسته الخارجية، حيث سعى إلى تعزيز انفتاحه على دول العالم وبناء شراكات استراتيجية، تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والتنمية المستدامة، وتأتي هذه الجهود في إطار مساعي الحكومة العراقية لتجاوز التحديات الداخلية والخارجية التي واجهتها البلاد منذ عقود.
العراق عانى لفترات طويلة من عزلة دولية نتيجة الحروب والصراعات الداخلية والتوترات السياسية، ومع ذلك بدأت مرحلة جديدة بعد عام 2003، حيث عملت الحكومات المتعاقبة على تحسين علاقات العراق مع دول الجوار والمجتمع الدولي، ومع انتهاء العمليات العسكرية الكبرى وإعلان النصر على تنظيم داعش الإرهابي، بدأت بغداد في تبني نهج أكثر انفتاحاً على الصعيد الإقليمي والدولي.
إذ ركزت الحكومة العراقية على تحسين العلاقات مع دول الجوار مثل المملكة العربية السعودية، إيران، تركيا، والأردن، وشهدت العلاقات العراقية-السعودية تطوراً ملحوظاً، من خلال تبادل الزيارات الرسمية وتوقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية.
وفي الوقت نفسه، عزز العراق علاقاته مع إيران وتركيا، من خلال التعاون في مجالات الطاقة والتجارة وإدارة الموارد المائية، كما شهدت العلاقات مع الأردن، خطوات ملموسة لتعزيز التعاون الاقتصادي وفتح الأسواق بين البلدين.
العراق سعى أيضاً إلى إقامة علاقات متوازنة مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، وفي هذا السياق، أبرم العراق عقوداً كبيرة مع شركات صينية لتطوير البنية التحتية وقطاع النفط، بينما استمرت العلاقات الأمنية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة في مجالات التدريب العسكري ومكافحة الإرهاب كذلك، اتجه العراق لتعزيز علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، من خلال شراكات في مجالات التعليم والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.
كما لعبت الدبلوماسية الاقتصادية دوراً رئيسياً في انفتاح العراق، إذ ركزت الحكومة على جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات مختلفة، مثل الطاقة والزراعة والنقل، ناهيك عن عمل العراق على تفعيل دوره في منظمة أوبك لتحقيق توازن في سوق النفط العالمي وزيادة عائداته، بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع العديد من الاتفاقيات مع دول آسيوية وأوروبية لتعزيز التجارة وتنويع الاقتصاد، بما يشمل إنشاء مشاريع مشتركة في الصناعات التحويلية والزراعة.
حرص العراق على تعزيز حضوره في المنظمات الإقليمية والدولية مثل جامعة الدول العربية، منظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، ساهم هذا الحضور في تحسين صورة العراق على الساحة الدولية وتعزيز مكانته كدولة تسعى لتحقيق الاستقرار الإقليمي، كما شهد العراق دعماً دولياً في مبادرات إعادة الإعمار بعد الحرب ضد داعش الإرهابي، مما عزز دوره كشريك مهم في جهود التنمية.
وشهد العراق جهوداً متزايدة للتعاون الثقافي والتعليمي مع دول العالم، تم توقيع اتفاقيات للتبادل الثقافي والطلابي مع دول مثل ألمانيا، فرنسا، واليابان، مما ساهم في تعزيز الحوار الثقافي ونقل المعرفة، كما أطلقت الحكومة العراقية برامج لتطوير التعليم العالي، بالتعاون مع الجامعات العالمية المرموقة.
ورغم الجهود المبذولة، يواجه العراق تحديات كبيرة تعيق تحقيق انفتاح كامل ومستدام، أبرزها الفساد الإداري والمالي، التوترات السياسية الداخلية، التدخلات الخارجية، التحديات الأمنية.
ومع استمرار الجهود الحكومية لتعزيز الاستقرار وتنويع الاقتصاد، يبدو أن العراق يسير في طريق إيجابي نحو تحقيق انفتاح أكبر على العالم، نجاح هذه المساعي يعتمد على قدرة العراق على معالجة التحديات الداخلية، وبناء شراكات متوازنة تخدم مصالحه الوطنية، كما أن الاستثمار في التعليم والبنية التحتية وتعزيز سيادة القانون، سيعزز من جاذبية العراق كشريك دولي.
إذ يمثل انفتاح العراق على الدول خطوة مهمة نحو استعادة دوره الريادي في المنطقة وتحقيق التنمية المستدامة لشعبه، ورغم الصعوبات، فإن الرؤية الاستراتيجية الواضحة والتعاون الدولي يمكن أن يساهما في تحقيق مستقبل أكثر إشراقاً للعراق في الساحة العالمية، وعلى العراق استثمار هذه الفرصة لتطوير علاقاته الدولية، بما يخدم مصلحة الشعب ويضمن استقرار البلاد على المدى الطويل.