
كتب عبد الأمير المجر..الحديث عن العلاقة بين العراق وسوريا في التاريخ المعاصر، متشعب ومرير، ولعل اغلبية العراقيين والسوريين لا يريدون الخوض فيه، لا سيما ممن ينظرون إلى المستقبل، والى واقعهم اليوم وضرورة ان تكون العلاقة فيه بمستوى تطلعات الشعبين.. سوريا عاشت محنة كبيرة ومرعبة طيلة عقد ونصف تقريبا، سبقها العراق وبمدة اطول، وقد دفع الشعبان مئات الالوف من الضحايا الابرياء.
وفي كل الاحوال صار هذا من الماضي، وعلينا نحن الذين خضنا كل هذه الأهوال أن نعمل على تجاوزها، لأنها اصلا ليست من صنع الشعوب، ونعزز التواصل بين أبناء الشعبين اللذين تربطهما أكثر من رابطة وتقربهما أكثر من مصلحة، مثلما تفرض عليهما الظروف الحالية أن يكونا اقرب إلى بعضهما، لأن المصير بات مشتركا، واذا ما حصل وتقسّمت سوريا، لا سمح الله، فان العراق سيكون من اكبر المتضررين والعكس صحيح. لقد وقعت في الساحل السوري مؤخرا أحداث مؤلمة حقا، اثر قيام مجاميع ارهابية بقتل اعداد كبيرة من المدنيين الابرياء بدوافع طائفية مقيتة، وقد اثار هذا الحدث المأساوي في ذاكرة العراقيين ما فعله امثال هؤلاء الارهابيين في العراق أيام داعش وقبلها، لذا جاءت ردة الفعل قوية واكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بصور ومشاهد مؤثرة لتلك العمليات الاجرامية، مشفوعة باستنكار كبير.. لكن هناك من تجاوز رد الفعل العاطفي إلى محاولة توظيف الحدث سياسيا، انطلاقا من دوافع جهوية، ونادى بالقطيعة مع سوريا او نظامها الجديد، من دون أن يعلم أن القطيعة وعزل سوريا واضعافها في هذه الظروف يكون بمثابة هدية لقوى متربصة بها وتعمل على تقسيمها، وان هذا الامر لم يعد خافيا على أحد، لا سيما ما يحصل في السويداء ومغازلة اسرائيل لبعض الدروز في محاولة لفصلهم عن بلدهم، وإقامة كيان لهم يرتبط بشكل او بآخر بها، بالإضافة إلى أن تكريس الثقافة الطائفية قد يدفع بأبناء الساحل للمطالبة ايضا بالانفصال باسم الفيدرالية أو غيرها، غير متناسين الوضع المعقد في شمال شرقيها، حيث (قسد) التي لم يحسم ملفها بشكل نهائي حتى الآن، لتجد سوريا نفسها بعد ذلك، وقد أصبحت نتفا يصعب على حكومة الدولة الحالية الضعيفة والمجردة من السلاح الاستراتيجي، بعد تدميره من قبل اسرائيل في واقع جديد، وبالضرورة يجد العراق نفسه امام هذا الواقع، وحينها لن تنفعنا حماسة المتحمسين. لكل انسان الحق في التعبير عن مشاعره، لاسيما امام احداث صادمة كالتي حصلت في الساحل السوري، لكن على الجميع أن ينظروا إلى مصالح شعوبنا العليا ومستقبلنا المشترك في عالم مضطرب وتحكمه قوانين القوة وليست قوة القوانين، كما توهمنا للأسف!