مقالات
أخر الأخبار

حروبُ المعادن وضجيجُ العناصر النادرة

كتب محمد شريف أبو ميسم.. لم تكن الحرب التجاريَّة التي شنَّها الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» على عديدٍ من دول العالم، محضَ جولة رابحة في جولات الرئيس وهو يحاول إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي لصالح الولايات المتحدة، ليس لأنَّها جاءت بخلاف معطيات العولمة الاقتصاديَّة القائمة على عولمة الإنتاج وعولمة الأسواق وحسب، بل لأنَّها لم تضع في نظر الاعتبار ما يخبئه التنين الصيني من مفاجآت.

وفي الوقت الذي كان الرئيس ترامب يكرر بنشوة فوقيَّة «نتوقع اتفاقاً تجارياً مع الصين» متوسماً قبولها بالمفاوضات التجاريَّة، كانت الأنظار تتَّجه صوب بكين التي تمسكُ زمامَ الإنتاج العالمي، وهي تتفوقُ على إنتاج تسع دول صناعيَّة مجتمعة بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وألمانيا.

ولكنها لم تعر انتباهاً، ورفعت الرسوم الجمركيَّة على السلع الأميركيَّة الى نحو 34 بالمئة ثم عادت فرفعتها الى نحو 84 بالمئة بعد أنْ رفع «ترامب» الرسوم عليها الى نحو 145 بالمئة محاولاً جرَّها للمفاوضات، إلا أنَّها أزاحت بوجهها، ونقل حينها عن خبيرٍ صيني ، «إنَّ الصين كانت موجودة قبل خمسة آلاف عام من وجود أميركا، وستبقى موجودة بدون وجود أميركا» وعندما قام الرئيس «شي جينبينغ» بجولة في جنوب شرق آسيا منتصف نيسان الحالي، قال ترامب: «إنَّ هذه الجولة فرصة للعبث مع الولايات المتحدة»، ثم عاد ليقول «نتوقع اتفاقاً تجارياً جيداً مع الصين».

ومن هنا بدأت قصة حرب المعادن، وضجيج العناصر النادرة، بلجوء الصين إلى فرض قيودٍ على تصدير عددٍ كبيرٍ من المعادن الأرضيَّة النادرة الى الولايات المتحدة، والتي وجد فيها العديد من المراقبين، ضربة قويَّة للاقتصاد الأميركي الذي يعتمد كليَّاً على ما تنتجه الصين من هذه المعادن.

وعلى الرغم من محاولات «ترامب» الرامية الى الهيمنة على مصادر البعض منها في أوكرانيا، إلا أنَّ الكثير من هذه المعادن تستحوذ عليها الصين، وبعضاً منها يعاد إنتاجه داخل المعامل الصينيَّة بإمكانيات بشريَّة هائلة يقال إنها محفوفة المخاطر وبكلفٍ أقل، وهذا ما لا تقوى عليه سوق العمل الأورزبيَّة والأميركيَّة، ويقال أيضاً إنَّ هذه المعادن تدخل في صناعة كل ما يمكن تشغيله وإطفاؤه من أجهزة بدءاً بالهواتف النقالة وانتهاءً بالمعدات العسكريَّة.

وجاءت هيمنة الصين على سلسلة توريد المعادن على مدى عقودٍ من السياسات الاستراتيجيَّة التي انتهجتها الحكومة الصينيَّة، وآن الأوان – وعلى ما يبدو – لتوظيفها في السياسات الاقتصاديَّة مع أشدّ الغرماء للتجارة الصينيَّة، بعد إخراج جميع المنافسين العالميين من سوق هذه العناصر.

وبالتزامن مع رفع السريَّة عن دراساتٍ علميَّة أجريت في الصين، بشأن توظيف الثوريوم في إنتاج الطاقة، والتي أثبتت أنَّ هذا العنصر يولد طاقة أكبر بنحو 200 مرة من اليورانيوم، في مفاعلاتٍ صغيرة الحجم وقليلة المخاطر. أُعلِنَ عن خبرٍ مفاجئ، مفاده، أنَّ الصين يمكن أنْ تستغني عن النفط الأحفوري الى الأبد، بعد أنْ اكتشفت احتياطياتٍ ضخمة من الثوريوم، ما يعزز آمالها في تحقيق طاقة نظيفة ومستدامة.

وقد يقولُ قائلٌ، ما علاقة هذا الاكتشاف بالحرب التجاريَّة؟ فيكون الجواب، أنَّ تسيّد الصين على هذا النوع من مصادر الطاقة مع اقتراب العام 2035، وهو الموعد الذي تحدده «نظريَّة قمة هوبرت» التي تتنبأ بانخفاض إنتاج النفط في العالم طبقاً لدالة أسيَّة، بعد أنْ يصلَ الإنتاج الى أقصاه، يعني أنَّ التنين الصيني سيهيمن على الأسواق العالميَّة من دون منافس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى