أقيمت صلاة الجمعة المباركة في مسجد وحسينية الامام الحسن المجتبى ( ع ) في خانقين – منطقة علي مراد بإمامة سماحة الشيخ (حسين_المندلاوي ) وحضور جمع مبارك من المؤمنين.
عنوان الخطبة ( الخطبة المركزية الموحدة
(النبي محمد صلى الله عليه وآله القدوة والأسوة)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ صدق الله العلي العظيم (سورة الأحزاب: 21)
التأسّي أمر فطريٌّ في الإنسان
الأسوة هي القدوة، والتأسّي هو الاقتداء، وهو أمر فطريٌّ يميل إليه الإنسان ويبحث عنه تلقائياً، فهو يميل إلى أن يكون أمامه نموذج حيّ يقتدي به يُجسّد المفاهيم ويأخذ المواقف ويتبنّى القرارات ويجري عملياً على طبقها، بحسب ظروفها ومقتضياتها لفظاً، وعملاً، وموقفاً.
والأسوة نظريّة وعمليّة، فالنظريّة هي المبادئ والقوانين والسنن الّتي يتعلّمها الإنسان ويتبنّاها كمعتقدات وقناعات وهذا مهمّ، والأهمّ هو أن يكون هنالك شخص تتجسَّد فيه تلك المبادئ والقيم وتتحرّك معه في كلّ مواقفه، وهذا هو الأسوة العملية الّتي يراها الناس أمامهم تُجسّد النظرية عملاً وسلوكاً، وهي أبلغ وأدعى للتأسّي والاقتداء؛ لأن أغلب الناس يتفاعلون مع ما هو حسي أكثر من تفاعلهم مما هو عقلي فقط؛ لذا فالقران يطرح النبي (صلى الله عليه واله كأسوة للناس) مثالاً للاقتداء والأسوة, مما يعني إن النظريات والمفاهيم العقلية العامة في إطارها النظري حتى لو آمن بها الإنسان إيماناً عقلياً حتى لو دخلت إلى ذهنه دخولاً نظرياً مع هذا لا تهزه ولا تحركه ولا تبنيه, ولا تزعزع ما كان فيه ولا تنشئه من جديد إلا في حدود ضيقة جداً, على عكس الحس فان الإنسان الذي يواجه حساً، ينفعل بهذا الحس وينجذب إليه، وينعكس على روحه ومشاعره وانفعالاته وعواطفه بدرجة لا يمكن أن يقاس بها انعكاس النظرية والمفهوم المجرد عن أي تطبيق حسي.
ومن هنا كان الأنبياء أكثر تأثيراً في بني البشر؛ لأنهم كانوا يتحرّكون مع الناس ويعيشون معهم في جميع شؤونهم, وفي كلّ المفارقات والمفاصل في الحياة والاختلافات والنزاعات ليبيّنوا لهم ميدانياً ومن قلب الواقعة والميدان، أين الحقّ من الباطل، وأين الصواب من الخطأ، وأين العلم من
الجهل، وأين السداد من الاشتباه، يُعطون لكلّ واقعة حكمها. والله تعالى يبيّن أنّ أحد الأمور الّتي كانوا يعجبون منها أنّ النبيّ كيف يكون رجلاً منهم؟ قال تعالى في سياق الكلام عن نبيّ الله نوح (ع): ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(سورة الأعراف: 63).
فالإنسان يتأثّر بعملٍ أو موقفٍ أمامه من أسوة عملية أكثر من تأثّره بسيلٍ من الكلمات، ولهذا يؤكّد القرآن الكريم على أن يكون الرسول من جنس المرسَل إليهم فيردّ إشكال من قال إنّ النبيّ ينبغي أن يكون مَلَكاً من الملائكة بقوله تعالى:﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ (سورة الأنعام:9).. فكيف يتأسّى الناس بمَلَك؟ فإنّهم سيقولون هو مَلَك يمتلك من الطاقات ما لا نمتلكه فكيف يكون قدوة لنا؟ فلا بُدّ أن يكون رجلاً مماثلاً في التكوين وفي الشعور والظروف حتّى يقول المتأسّي هو مثلي ففعل كذا ويُمكن لي أن أقتفي أثره وأمشي على خطاه وأقتدي به.
فالأسوة العملية الحسنة هي الحقّ متحرّكاً ومتمثّلاً في شخصية متكاملة، متحرّكة أمامك ﴿ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ فالنبيّ أسوة عمليّة حسنة بتزكيةٍ وشهادة ربّانية.
ولأهميّة الأسوة في حياة الناس وما تتركه من تأثير شديد على المجتمع والحياة فإنّ أعداء الإسلام قد عمدوا إلى استبدال الأسوة الحسنة بالأسوة السيّئة وابتكروا أشياء توافق الأهواء وروّجوا لها على أنّها نماذج الكمال والجمال، وبذلوا قصارى الجهد ليُقنعوا الشباب بذلك من خلال أساليبهم ودعاياتهم المضللة، مما يجعل فرص الاشتباه في اختيار الأسوة الحسنة كبيرة، وهذا الاختيار الخاطئ للأسوة تعمل أجهزةٌ عالمية منظّمة لتسويقه بين شبابنا الّذين يمثّلون عصب الأمّة وقوّتها وطاقتها، وإظهاره بمظاهر المثل العليا، بعناوين متعدِّدة كالجمال والأناقة، والتجدُّد باتّباع الموديلات الّتي لا تقف عند حدّ، والبطولات الوهمية، ويقيمون المسابقات على مدار أيّام السنة بعناوين مختلفة رياضية وغيرها .