كتب علي لفتة سعيد: تعاني أغلب الدوائر الحكومية من اكتظاظ الموظفين والمراجعين معاً، داخل بنايات حكومية أكثرها قديمة لم تعد قادرةً على استيعاب أعداد الفريقين، الموظفين والمراجعين معاً، ممّا أجبر الكثير من الدوائر إلى إضافة أجنحة بنائية أخرى، سواء فوق البناء الأصلي أو استغلال الفراغات والساحات، وحتى الحدائق بأبنيةٍ من (سندويج بنل) أو ما يطلق عليها (الكرفانات) والتي تسبّبت بحدوث حرائق كبيرةٍ، كونها موادّ قابلة للاشتعال السريع.
ولأن العراق شهد زيادةً في أعداد السكّان، حيث وصلت بحسب الإحصائيات غير الرسمية إلى أكثر من 42 مليون نسمة، بعد أن كانت هذه الأبنية تقدّم خدماتٍ لنصف هذا العدد، حتى مطلع القرن الواحد والعشرين. ولذا فإن المعادلة صارت مقلوبةً، بدلاً من زيادة الخدمة وسرعة الإنجاز، أصبحت الظاهرة (عالة) على المواطنين والمراجعين.
وصار بالإمكان توصيف هذه المعادلة بالقول: (كلّما زاد عدد الموظفين، كلّما قلّت ساعات العمل الإنتاجية) ولهذا أسبابٌ عديدةٌ، أهمّها عدم وجود أماكن لجلوس الموظفين، والتوزيع الخاطئ للمهام، وكثرة الروتين في الدوائر، فضلًا عن التعليمات التي جعلت الموظف يخاف من إنجاز المعاملة حتى لا يتّهم بالمحاباة أو التقاعس أو عدم المقدرة، إضافة إلى عوامل الفساد، وأهمها الرشوة وكذلك عامل (الغيرة) من موظفّ يعمل وموظّف يجلس بلا عمل، يحاول أن يقضي وقته بالدوران خارج الغرف أو اللقاء في الكافتيريات أو ممارسة المشي) في ممرات الدائرة، أو حتى اللعب بأجهزة الموبايل، وهو ما نراه بوضوح من خلال عملنا الصحفي.
وعليه ولأن عدد الموظفين أصبح واقعٍ حال وقد يصل إلى أكثر من أربعة ملايين موظف خلال العام الحالي، بحسب تصريحات مجلس الخدمة الاتحادية، وهو الأعلى في العالم بحسب تقرير نشرته إحدى المؤسسات المعنية بالشؤون الاقتصادية، والتي كشفت بتقريرها عن أن العراق يعد الدولة الأكبر بعدد الموظفين الحكوميين، نسبة إلى مجمل القوى العاملة، بالاعتماد على دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية وبيانات المؤسسة.
وهو ما يعني استنزاف الموازنة العامة، كونها تذهب في أغلبها كرواتب غير رواتب الكيانات الأخرى المرتبطة بأعمال الحكومة العراقية، والموظّفون موزّعون بين كلّ الوزارات والهيئات المستقلة والدوائر غير التابعة للوزارة دون استثناء.
لذا فهل يمكن الاستفادة أو استثمار هذه الأعداد، بدلّاً من أن تكون مجرّد أعدادٍ وظيفية؟ ويكون لهم هدف تقديم أفضل الخدمات من جهة، وتقليل هدر ساعات العمل وتقليل الازدحام في الدوائر؟ إن الحل بحسب وجهة نظرنا يمكن أن يكون من خلال تقسيم الدائرة الواحدة بعدد موظفيها إلى قسمين (شفتين).. قسم يعمل من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر، والقسم الثاني يعمل من الثانية بعد الظهر حتى الثامنة مساء.
وهذا الأمر تعمل به وزارة الداخلية في أغلب دوائرها الجنسية والجوازات والمرور، فضلاً عن دوائرها الثابتة الأخرى في دوامها المستمر، لأربع وعشرين ساعة.
إن هذا التوزيع أو التقسيم، سيصب في صالح الدولة والحكومة والشعب، وله الكثير من الفوائد التي تصبّ في صالح العملية الخدمية لدوائر الدولة، وستكون النتائج مهمة، مع الاعتراف بوجود بعض الصعوبات التي ستصادف عملية التوزيع، لكنها بمرور الوقت ستكون أمراً طبيعياً، وهذا التقسيم لا يحتاج إلى إضافةٍ أبنيةٍ أخرى منها والاستفادة ستشمل الشكل الكلي للفوضى الوظيفة وترهلها:
أوّلاً: استغلال عدد الموظفين بالشكل الأمثل وتوزيعهم، وعدم تكديسهم في غرفٍ صغيرةٍ، أغلبهم بلا عملٍ ويسبّبون ازدحاماً في الغرف الممرات.
ثانياً: تسهيل مهمة المراجعة للمواطنين أنفسهم باختيار ساعات المراجعة والوقت المناسب لهم.
ثالثاً: إنه يصب في صالح الدائرة نفسها بعدم وجود إجازات زمنية لموظّفيها في مراجعة دوائر أخرى لإنجاز معاملات شخصية، بدلاً من استغلال ساعات الدوام الرسمية.
رابعاً: إنها ستسهم بإجبار الموظّف نفسه على العمل، حين لا يجد هناك موظّفاً فائضاً غيره في الغرفة.
خامساً: إنها ستسهم في التقليل من حالات الفساد ومنها الرشوة، لأن المواطن يجد باب الدائرة مفتوحاً ومساحات واسعة للحركة.
سادساً: إنها تقلّل من (الواسطات) التي تسبّبها حالات الازدحام المقصودة وغير المقصودة، وعدم معرفة الموظّف في بعض الدوائر من المراجع ومعقّبي المعاملات.
سابعاً: إنها تقلّل من ازدحام الشوارع مع بدء الدوام الرسمي وانتهائه بشكلٍ ربما يزيد على ثلث حركة سيارات الدوائر.