مقالات

التعليم في العراق

كتب د. خالد عليوي العرداوي: يتطلب فهم واقع التعليم الجامعي ومدى فاعليته في العراق، تحديد حجم الفجوة بين مخرجات التعليم ومدخلات التوظيف، فكلما ضاقت هذه الفجوة زادت فاعلية التعليم، والعكس صحيح.

 

وعليه، وبعد مراجعة تقارير الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، والبيانات الصادرة عن وزارة التعليم العالي في ما يتعلق بأعداد المتخرجين من الطلبة والطالبات في الدراسات الأولية والعليا من الجامعات والمعاهد العراقية (الحكومية والأهلية)، وتقارير مجلس الخدمة الاتحادي الخاصة بالتوظيف للسنوات (2015 – 2023)، يتضح أن عدد المتخرجين في الدراسات الأولية خلال هذه المدة – باستثناء سنتي (2022 و2023) لعدم توفر البيانات هو (1049969)، مليون وتسعة وأربعون ألفاً، وتسعمائة وتسعة وستون طالباً وطالبة.

أما عدد المتخرجين في الدراسات العليا– باستثناء السنوات (2021 و2022 و2023) لعدم توفر البيانات فهو (53798) ثلاثة وخمسون ألفاً وسبعمائة وثمانية وتسعون طالباً وطالبة، وبذلك يكون مجموع المتخرجين (أولية + عليا) هو (1103767) طالباً وطالبة، وسيكون الرقم أكبر من ذلك بكثير إذا أضفنا له السنوات التي لم تتوفر فيها البيانات، آخذين بعين الاعتبار أن نسبة الزيادة في القبول في الدراسات الأولية بين سنة 2015 وسنة 2023 تعادل تقريباً 55%، بينما تزيد في الدراسات العليا عن 300%.

وعند مقارنة عدد الخريجين أعلاه (1103767)، بعدد المعينين المعلن عنه من قبل مجلس الخدمة الاتحادي، نجد أن مجموع مدخلات التوظيف، سواء كانت عن طريق نافذة التوظيف الإلكتروني أم خارجها، للسنوات الممتدة من سنة 2016 إلى سنة 2023 يبلغ (197940) مئة وسبعة وتسعين ألفاً وتسعمئة واربعين، ما يعني أن نسبة مدخلات التوظيف إلى مخرجات التعليم تقل عن 20%.

نعم، قد توجد أرقام أخرى من التعيين لم يتم ذكرها في البيانات أعلاه، لاسيما أولئك الذين تم تعيينهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية، أو تم التعاقد معهم بسبب حاجة مؤسسات الدولة لخدماتهم أو من طلبة الدراسات المسائية المعينين في مؤسسات الدولة قبل دراستهم، ولكن تبقى هناك فجوة كبيرة للغاية بين مخرجات التعليم ومدخلات التوظيف تتراوح بين 60- 70% في أحسن الأحوال.

ماذا يعني وجود هذه الفجوة؟

 

يجادل البعض أن مسؤولية الحكومة هي ضمان التعليم الجامعي لجميع الشباب، وليس من مسؤولياتها ضمان التعيين لهم، وهذه كلمة حق، ولكنها كلمة حق غير حكيمة، فالحكومات من مسؤولياتها الأساسية وضع السياسات التي توجه طموحات شبابها، بما يستثمر طاقاتهم في المجالات المفيدة لبناء الدولة والمجتمع، والحكومات التي يتوقف دورها عند منح الشهادات تغامر بتحويلها من طاقة إيجابية يستفيد منها المجتمع، إلى طاقة سلبية تهدده، فالأفواج الهائلة من الخريجين غير العاملين تغذي البطالة، والشاب غير الخريج المستعد للعمل بأي مهنة هو أفضل من شاب خريج، سببت له شهادته عقدة نفسية بسبب سوق العمل غير المناسب، ومثل هذا الشاب المنكسر المحطم الطموح سيشكل أرضاً خصبة للأفكار السوداوية المتطرفة، ولذا تجد معظم الحركات والثورات المتطرفة وجدت ضالتها في الشباب العاطل المكسور، كما هو الحال في الحركات الفاشية والنازية والشيوعية سابقاً، والحركات الشعبوية واليمنية المتطرفة اليوم.

إن استمرار سياستنا التعليمية بمسارها الحاضر يعني المغامرة بمصير الدولة والمجتمع، وتحول تعليمنا الجامعي إلى فخ كبير يُسقط شبابنا مستقبلاً في أتون التطرف والعنف والأفكار السلبية، بسبب زيادة البطالة، وعجز سياسات التوظيف في ظل وظائف وموارد مالية محدودة، وما يزيد الكارثة أن الخوف من المستقبل والشعور باللايقين لم يعد يقتصر على الخريجين غير المعينين، بل يشمل حتى الموظفين أنفسهم، بعد أن تم إغراق مؤسسات الدولة بأعداد هائلة من الموظفين الفائضين عن الحاجة.

حكوماتنا الحالية والمستقبلية مطالبة بتحويل التعليم الجامعي من فخ يصطاد الشباب والمجتمع، إلى فرصة للتنمية والنهضة والاستقرار، وهذا يتطلب:

– إيقاف استحداث الجامعات والمعاهد الحكومية والأهلية مقابل زيادة تأسيس المعامل والمصانع والمشاريع العامة والخاصة.

– منع الموظف من الحصول على شهادات أعلى من الشهادة التي تعين فيها، إلا في حال وجود حاجة ماسة للمؤسسة.

– إعادة النظر بالتخصصات الفائضة عن الحاجة وإيقافها فوراً، والإبقاء فقط على التخصصات المطلوبة في سوق العمل.

– مراعاة الطاقة الاستيعابية للمؤسسات الجامعية، وعدم اتخامها بأعداد فائضة من الطلبة.

– غياب فرص العمل يدفع الكثير من الشباب إلى الوقوع في فخ التعليم الجامعي، ولو توفرت فرص عمل عامة أو خاصة لهم لوجدت أن معظمهم يقلدون أقرانهم في دول العالم الأخرى بالذهاب إلى العمل وتكوين أسرهم بدلاً من الدراسة الجامعية.

– إيقاف الحصول على الشهادات الجامعية الأولية والعليا من الخارج، وحصرها بما تحتاج إليه الدولة فعلاً من الاختصاصات النادرة وفي الكليات العالمية المرموقة. – تأسيس منظومة إقليمية للتعليم والعمل، للسماح لحاملي الشهادات الأولية والعليا من العراقيين بالعمل في دول الجوار الإقليمي، وهذا سيتطلب جهوداً حقيقية تبذلها الحكومة ممثلة بوزارتي الخارجية والتعليم العالي مع دول الجوار، وهي بذلك توفر فرصة كبيرة للشاب بالحصول على العمل، وللدولة بالحصول على العملة الصعبة.

 

باحث وأكاديمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى