كتب باقر صاحب: تُعرَّف التنمية المستدامة بأنّها التنمية التي تأخذ بنظر الاعتبار استغلال الموارد المتاحة لتلبية حاجيات الأفراد مع الاحتفاظ بحقوق الأجيال المقبلة، فهي تهدف إلى تحسين مستويات المعيشة لجميع المواطنين، فضلاً عن التخطيط لتوفير مستويات معيشةٍ لائقةٍ للأجيال المقبلة، من هذه النقطة، بالذات، ينطلق التفكير الاستراتيجي الناجح، بالنسبة للأعداد السكانية المتزايدة في العراق.
ووفق تقريرٍ نشرته” الصباح” عن الزيادة السكانية بتأريخ 23-4-2024، فإنّ العراق يقف على حافة انفجارٍ سكّاني، وورد في التقرير المذكور، بأنَّ بلدنا يحتلُّ المرتبة السادسة عالمياً من بين 199 دولةِ حول العالم، وفق تصنيف يعتمد على معيار العيش معاً كعدد أفراد أسرةٍ في منزلٍ واحد، حيث يبلغ المتوسّط العالمي نحو 4.5 شخص لكلّ أسرة.
كما ذكرت وزارة التخطيط، في تقريرٍ لها مطلع العام الحالي، بأنّ نسبة الزيادة السكانية السنوية في العراق تصل إلى 2.5 بالمئة، أي بما يتراوح من 850 ألفاً إلى مليون ولادةٍ جديدةٍ كلَّ عام، بما يجعل العراق في المرتبة 87 على العالم، في الزيادات السكانية السنوية، وأشار التقرير، أيضاً، إلى أنّ العراق بلدٌ شاب، حيث أنَّ 40 بالمئة من سكّانه تحت سنّ الخامسة عشر.
وهذه الإحصائية، بالنسبة إلى عدد الولادات السنوية وعدد السكان من الأحداث، مهمة جداً وخطيرة، إذ ترتبط بهما متطلّبات التنمية المستدامة، ومنها توفير السكن المناسب، فبجردة حسابٍ بسيطة، إذا كان عدد الأحداث بهذه النسبة المذكورة، ممّن أعمارهم تقل عن 15 عاماً، فإن غالبية هؤلاء بعد أقلّ من عشر سنوات، سيكونون مؤهّلين لتكوين أسرٍ جديدة، ومن ثمَّ يحدث الانشطار الأسري، المسبّب للاستقلال في مساكن جديدة، إذاَ، يجب على القائمين بخطط التنمية الحكومية المستدامة أن تأخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار، أي المزيد المزيد من المجمّعات السكنية الجديدة في بغداد والمحافظات.
ولا يقتصر الأمر على السكن فحسب، بل ترتبط به أمورٌ أخرى، مثل توفير فرص العمل في القطاعين العام والخاص، للذين سينشئون أسراً جديدة في المستقبل المنظور، آخذين بنظر الاعتبار، أنّه في الوقت الحالي، نشهد، باستمرار، خروج التظاهرات في مدن العراق المختلفة، يطالب فيها المتظاهرون بفرص التعيين والعمل.
وإذا كانت الدولة تشكو من الترهّل الوظيفي، فإنّ التعديل الذي أجري على قانون التقاعد الموحد بتخفيض السنّ التقاعدية من 63 إلى 60 سنة، ربّما سيزيد أعداد الشواغر في وزارات الدولة والمعامل الإنتاجية والمؤسسات التعليمية والتربوية، ما يتطلّب ضخّ كوادر شبابيةٍ جديدةٍ في جميع مرافق الدولة، ما يقلّل أعداد العاطلين عن العمل، نسبياً، هذا فضلاً، عن أنّ تشغيل جميع المصانع المتوقّفة عن العمل منذ عقدين، يسهم أيضاً في القضاء على البطالة، والنهوض بالصناعة الوطنية وتعزيز الاقتصاد العراقي بموارد ماليةٍ جديدة، تسهم في زيادة ناتج الدخل القومي للفرد العراقي.
إنّ الشروع الجدّي بحملاتٍ وطنيّةٍ للقضاء على أزمة السكن، والتي من أسبابها الزيادة السكانية السنوية، فضلاً عن حملاتٍ وطنيةٍ لبناء المدارس والمستشفيات، وفق معايير عالمية، يعني تداركاً نافعاً لكلّ الأزمات المستعصية في البلاد، في مجالات السكن والصحة والتربية والتعليم، والنهوض بالصناعة الوطنية وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة والفقر.
إنّ من أهمّ التحديات التي تواجهها التنمية المستدامة في كلّ بلد “القضاء على الفقر، من خلال التشجيع على اتّباع أنماط إنتاجٍ واستهلاكٍ متوازنة، دون الإفراط في الاعتماد على الموارد الطبيعية”. وفي العراق يتمّ ذلك بوضع خططٍ خمسيّة، تضع في حسبانها أن بلدنا تحصل فيه زيادات سكانية، على نحوٍ تقريبي، بمقدار خمسة ملايين نسمةٍ كلَّ خمسِ سنوات، وفق الإحصائيات المذكورة أعلاه.
وفي حالة عدم وجود عدم تناسبٍ طرديٍّ بين النهوض الوطني الشامل في المجالات المذكورة أعلاه، وفق تنميةٍ مستدامة، وبين الزيادات السكانية السنوية، فإنَّ الأمور ستؤول، إلى ما لا يرجوه كلُّ وطنيٍّ شريف، من استفحال الفقر والبطالة، وما يسبّبان من تفكّكٍ أسري، وانتشار العشوائيات، والجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات.