كتب د. محمد وهاب عبود: يقول عالم البيولوجي البريطاني الإيرلندي، جون لوبوكو، إن الطفولة هي زهرة الحياة، فلنحافظ على براءتها ونمنحها الحب والحماية التي تستحقها. وتنظر الأمم المتحضرة إلى الطفل على أنه مواطن المستقبل وموردها البشري، لذا تولي بالغ الاهتمام لمسألة إعداده وتنشئته اجتماعياً ونفسياً، ليكن بعدها عنصراً فاعلاً ونافعاً للمجتمع والدولة، وتنفق على هذه المهمة الجهد والمال.
وفي المقابل، ما نراه اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي هو تحولها إلى منصات انتهاك للطفولة في أبشع صورها، ولا نبالغ إذا قلنا توازي تلك الانتهاكات التي تحدث إبان الحروب والنزاعات والعسكرية، أيعقل أن تستخدم أم ابنها الرضيع لنشر محتوى مشبوه، لجذب أكبر عدد من المشاهدات، ومثلها أب يستغل براءة طفله لبث منشور فكاهي لكي يُضحك متابعيه، وغيرها من الأفعال الشائنة والقبيحة التي لا يتسع المجال لذكرها بسبب كثرتها، وكلها إما لأغراض الكسب المادي أو للشهرة أو لكليهما.
وتعج تلك المواقع بهذه الوحوش البشرية المُستغلة لبراءة للطفولة والمُنتهكة لصفائها ونقائها وضعفها، فالطفل هنا لم يُستشر أو يُسأل عما إذا كان يرغب بأن يجعله أحد والديه مادة لمحتوى مُخل أو مضحك، كما أنه يعجز عن التعبير عن الرفض والامتناع، بينما يرد الوالدين على بعض المنتقدين في التعليقات، بأن منشوراتهم تندرج في إطار الحرية الشخصية، وأنهم يلهون مع أطفالهم، وليس مع أطفال الغير.
لقد أصبح العبث بالطفولة وتشويهها جزءاً من الحرية! لقد صار انتهاك خصوصية الطفل يسمى حرية! لقد تحول استخدام الطفل لأهداف ترويجية وتجارية يدعى حرية! لقد أضحى إحراج الأطفال وإقحامهم في محتوى ضار يوصف حرية!.
لا يخفى على أحد حجم الضرر الذي تشكله هذه الممارسات على الصحة النفسية والعاطفية للطفل، لكن مع ذلك، لا نطالب بإيجاد مقاربة أمنية تجاه آباء وأمهات وأقارب الأطفال ولعلها تكون آخر خيار، إلا أنه ينبغي، في المقام الأول، التحذير من المخاطر المحتملة لهذه الظاهرة والتوعية بشأن آليات التعامل معها وتطويقها وكبح تأثيراتها.
هذه المهمة ليست باليسيرة، خاصة أمام الإغراءات التي تقدمها المواقع الاجتماعية، التي لا تأبه بحقوق الطفل، وغير معنية بضمان توفير بيئة رقمية آمنة وصحية للطفولة التي يصفها غاندي، بأنها أحلى فصل في كتاب الحياة.