خطبة صلاة الجمعة في جامع الامامين الجوادين عليهما السلام بإمامة الشيخ الربيعي
أقيمت صلاة الجمعة بإمامة الشيخ سلام الربيعي في جامع الجوادين عليهما السلام.
وتطرق سماحة الشيخ الربيعي في الخطبة الأولى إن من أقوى الغرائز المتأصلة في شخصية الإنسان هي غريزة حب الحياة. الإنسان يحب أن يبقى، يحب أن يعيش، لا يوجد إنسان يحب أن يموت. غريزة حب الحياة تفرض على الإنسان أن يخطط لبقائه دائماً. والتخطيط للبقاء عن طريق الذرية والأولاد. فالإنسان يفكر في الذرية، يفكر النسل لأن غريزة حب الحياة هي التي تبعثه التخطيط للنسل والذرية.
وأضاف الشيخ: لأنه يعتقد أن حياته ستبقى ببقاء ذريته وأبنائه. ولذلك يشير القرآن إلى هذه الغريزة في قوله ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ فغريزة حب الحياة تبعث الإنسان على حب الذرية والنسل. من هنا تكمن ضرورة التربية. أنه ليس المهم الإنجاب وإنما المهم التربية. ليس المهم أن يكون لك ذرية بل أن تكون لك ذرية صالحة. لماذا؟
لأن التخطيط للتربية ليس لأولادك إنما هو لنفسك. لأن حياة أبنائك حياة لك. كما ورد عن الإمام زين العابدين «وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره» إن كان شراً قيل هذا ابن فلان. وإن كان خيراً قيل هذا ابن فلان. فالتخطيط للتربية تخطيط للنفس، وتخطيط للسمعة.
وتابع أنه لذلك الولد الصالح ذخراٌ لحياة دنيوية وأخروية كما ورد عن النبي محمد «إذا مات ابن آدم انقطع – – عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». ليس المراد بالولد الولد المباشر حتى لو كان ولد ولد ولد الولد مادام ولداً صالحاً يدعو له فعمله باقي ولذلك ناس أعماله تبقى إلى مابعد خمسة آلاف سنة لأن ذريتهم دائماً صالحة.
إذن التخطيط للتربية تخطيط للحياة: حياة دنيوية وهي السمعة الحسنة وحياة دنيوية وهي بقاء الثواب والعمل الصالح. يقول القرآن الكريم ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾. فالتربية الصالحة ضرورة.
هناك بحث في علم النفس الاجتماعي. هل التربية تشكل المجتمع أم المجتمع يشكل التربية؟ المجتمع هو عبارة عن الثقافة المتولدة من الآداب والعادات والتقاليد هذه الثقافة هذا العقل الجمعي المكون من العادات وآداب والتقاليد يسمى بالمجتمع. هل المجتمع تشكله التربية أي أن الفرد هو الذي يصوغ المجتمع؟ أم المجتمع يشكل التربية؟ بمعنى أن تربية الأبناء تأتي نتيجة ما يكتسبه الأب من المجتمع. هنا ثلاث نظريات: –
النظرية الأولى: نظرية التعري والإرتداء.
ما معنى ذلك؟ بعض علماء النفس يقولون خلق الإنسان عارياً روحاً وبدناً فهو محتاج إلى الرداء بدناً وروحاً. كيف؟ يعني الإنسان خلق عاري بعد سنتين إلى ثلاث من عمره يبدأ يلتفت إلى عورته. ويلتفت إلى أن إظهار العورة قبيح لدى المجتمع الذي يعيش فيه. فيسعى لستر عورته البدنية. خلاف الحيوان الذي ليس له قابلية التأدب بآداب المجتمع الذي حوله.
وكذلك من جهة الروح. الإنسان يولد عاري من حيث روحه. يعني يولد وروحه عارية من الآداب ومن الأخلاق الاجتماعية. إذا مرت خمس سنوات بدأ الطفل يلتفت إلى أن المجتمع الذي يعيش فيه هو خزانة لمجموعة من الآداب والتعاليم. فالروح خلقت عارية من هذه الآداب ثم اكتسبتها من خلال المجتمع. فسارع الطفل إلى ارتداء الأدب من حيث بدنه ومن حيث روحه. هذه النظرية تشير إلى أن المجتمع هو الذي يشكل التربية. لأن المجتمع يعتبر رداء يستر به الإنسان عورته البدينة وعورته الروحية من خلال ما يكتسبه من آداب وأخلاق وقيم اجتماعية.
النظرية الثانية: – نظرية تأثير الرموز.
لكل مجتمع ثقافة مكتسبة من الرموز الاجتماعية. وهو أقوى عنصر يؤثر في صياغة ثقافة المجتمع وفي العقل الجمعي للمجتمع. فما يطرحه الرموز من ثقافة يتأثر به المجتمع وينعكس على أبنائه. من هنا تكون تربية الرموز هي التي تشكل المجتمع وثقافته
النظرية الثالثة: أن علاقة الفرد بالمجتمع وعلاقة المجتمع بالفرد «علاقة تبادلية».
كل منهما مؤثر ومتأثر. المجتمع يتأثر برموزه ورموزه يتأثرون به أيضاً. هناك علاقة تفاعل وتبادل. تأثير وتأثر. كل مجتمع يتغير وتغيره بيد رموزه دائماً. رموزه هم الذين يغيرونه. لذلك يقول الرسول «في كل خلف من أمتي شموس أو نجوم من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وبدع المبطلين» خلف يعني كل مئة سنة «جيل». إذن هناك تغير في المجتمع لثقافة تفرضها الرموز. كذلك الرمز لا يقدر أن يغير إذا لم يتأثر بمجتمعه. الرمز أيضاً يكتسب ثقافته الأولية وقيمه من خلال مجتمعه ثم ينطلق لمسيرة التغيير. فالعلاقة بين الطرفين علاقة تأثير وتأثر «علاقة تبادل».
وأكمل الشيخ أنه ضمن الواقع المعاصر نعيش تحديات صعبة. الآن تطور وسائل الاتصال وتنوع وسائل الإعلام فرض علينا أن نخطط تخطيطاً آخر لنوعٍ آخر من التربية , من هنا تحتاج المؤسسة الدينية يعني المسجد والمنبر والمرجعية أو أي مؤسسة دينية إلى أن تطور من أدواتها حتى تواكب هذا التغير الملحوظ, و التركيز على دعائم وركائز التربية الصالحة.
الركيزة الأولى: التربية قبل التنمية. كيف؟
كثير من الآباء يركز على تعليم ابنه المهم أن يكون تعليم ابنه تعليم ممتاز يدرسه في مدارس خاصة ويصرف عليه أموال طائلة حتى يتخرج ولده على أي مستوى في الطب أو الهندسة أو أي مجال ليكون إنسان متفوق علمياً. هذا الاهتمام جيد. لكن هناك اهتمام أعظم منه رتبتاً ألا وهو الاهتمام بالتربية الصالحة. فالتربية قبل التنمية العلمية. ما لم يكن الولد قد بنيت روحه على أرضية قِيمية لن يعطي المجتمع شيئاً. ولن يجدي شيئاً. لابد من تربية روحه أولاً على خلق الدين وقيمه حتى يُضمن عطائه وتأثيره إذا أصبح عالماً عارفاً. وهذا ما ورد عن الصادق «علموا أبنائكم من علمنا ما ينتفعون به لاستبقكم المرجئة». أي علمه العقائد. علمه الفرائض علمه الدين. وأيضاً نلاحظ هذا الاهتمام بالنسبة للقرآن الكريم.
ولفت الشيخ إلى أن الركيزة الثانية: التربية غير المباشرة. ما معنى ذلك؟
علماء التربية يقسمون التربية إلى تربية مباشرة وتربية غير مباشرة، التربية المباشرة هي التوصيات، يصعد الخطيب على المنبر ويقول يا ناس صلوا صوموا… والتربية المباشرة حث عليها لقرآن الكريم ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ وفي آية أخرى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾.
التربية الغير مباشرة هي الاستقامة إذا كان الأب مستقيماً، فاستقامته تربية حتى لو لم يتلكم، الأب المستقيم يغرز استقامته وقيمه في نفوس أبنائه، إذا سمع الابن صوت الأب يقرأ القرآن يتأثر، وكذلك إذا سمع صوت الأم تقرأ الدعاء يتأثر، استقامة الأبوين هي في حد ذاتها تربية غير مباشرة
الركيزة الثالثة: الانسجام بين الجيلين، جيل الآباء وجيل الأبناء.
هناك مشكلة من الطرفين، الابن يشكو الدكتاتورية من الأب، والأب يشكو العناد من الابن. فإذن هناك اختلاف بين الجيلين، هذا الاختلاف مسألة كثر البحث فيها من علماء التربية كتبت فيها دراسات كثيرة «صراع الأجيال أو اختلاف الأجيال».
الاختلاف بين الجيلين ليست مشكلة بل هي أمر طبيعي تفره التغيرات الثقافية الاجتماعية، كل مجتمع يمر بتغير ثقافي وفي النمط الاجتماعي، يحصل فيه اختلاف بين الآباء والأبناء, سياسة الاحتواء واستيعاب تفكير الابناء بانضباط الحل لذلك .
وأكمل الشيخ قائلا: إن أعداء الإسلام بعد طرح مشروعهم صدام الحضارات وأن الإسلام هو العدو الأخير في ساحة الصراع العالمي قاموا بمجموعة من الخطط لتدمير المشروع الإلهي عن طريق الحرب الناعمة بتذويب المنظومة القيمية المسؤولة عن صنع المجتمع الصالح وإبدالها بمنظومة القيم الجاهلية وأهم قلعة تعرضت لهذه الحرب الشرسة هي الأسرة حاضنة الأجيال., وأهم هجمة تتعرض لها الأسرة، ويتعرض لها المجتمع الإسلامي هي نشر الفحشاء والإباحية والتحلل وهذا واحد من ركائز الحرب على الإسلام.
• يقول فرانتس فانون في كتابه ثورة الجزائر: (( إن كلّ جلباب وحجاب يُخلع ويُلقى جانباً يفتح لنا أفقاً جديداً كان ممنوعاً علينا، ويرينا الجسد الجزائري الذي عاد عرياناً تماماً، وبعد رؤية كل الوجوه بلا حجاب، ستتضاعف آمال الهجمة الاستعمارية عشرة أضعاف، كلّ حجاب يلقى جانباً وكلّ وجه يكشف للناظرين العابثين الوقحين يعني أنّ الجزائر بدأت تتنكّر لوجودها، وأنها تنصّلت عن قيمها، وتقبّلت هتك الغاصبين لناموسها )).
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
و لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
و لا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز