خطيب جمعة الناصرية: تنشئة الأطفال تنشئة دينية تساعده في تحصين نفسه فكرياً وسلوكياً
أكد خطيب جمعة الناصرية الشيخ ضياء السهلاني، أمس الجمعة، أن تنشئة الأطفال تنشئة دينية تساعد في تحصينه فكريّاً وسلوكيّاً، وأن الغفلة عنها تؤدي إلى ضياع هوية الجيل الجديد، وضعف انتمائه الديني والاجتماعي، مستشهداً بقوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾.
وخلال خطبته التي ألقاها في مصلى أنصار الإمام المهـدي (عجل الله فرجه)، وتابعتها “النعيم نيوز”، قال الشيخ السهلاني، “أولى الإسلام الحنيف التنشئة الدينية للأطفال اهتماماً كبيراً، فهي التي تحفظ هوية المجتمع واستمرار الانتماء الديني لأجياله، والغفلة عنها تؤدي إلى ضياع هوية الجيل الجديد، وضعف انتمائه الديني والاجتماعي، وتساعد التنشئة الدينية على تحصين الجيل نفسيًّا وفكريًّا وسلوكيًّا، فتجعله أقرب إلى الاستقامة والصلاح.
وأوضح ما تتصوره بعض العوائل والأسر من أنّ التنشئة الدينية يمكن تأجيلها إلى ما بعد مرحلة الطفولة، وهذا تصور خطأ ينشأ من ضعف الفهم لمرحلة الطفولة، فالطفل عندهم مساوق للجهل وعدم الفهم والإدراك والشعور، وقد يعبّر عن الأطفال في مجتمعاتنا بـ (الجهال) فضمن التحية يسأل الواحد منّا الآخر: كيف حال الجهال؟ أي الأولاد و الأطفال!
ويتحدّث ربّ العائلة قائلًا: سافرت مع الجهال!
إنّ الطفل ليس عديم الإدراك والفهم والشعور كما يتصور كثيرون، إنه يتحسّس ما حوله، وتستيقظ مداركه في وقت مبكر، ويسجل الانطباعات، ويلتقط الصور، وتبدأ عملية التكوّن والتشكّل لشخصيته المستقبلية وللدّعامات التي ترتكز عليها، منذ السنوات الخمس أو الست الأولى، التي يطلق عليها علماء التربية السنوات التكوينية.
في مرحلة الطفولة تتأسّس شخصية الإنسان، وحين تُغرس في نفسه بذور الاتجاه الديني في هذه المرحلة يكون راسخاً ومؤثراً في تكوين أبعاد شخصيته.
حيث تنبعث الأسئلة في نفس الطفل عند بداية إدراكه لما حوله، وحين يوجه للحصول على الإجابات المناسبة يتوفر له اطمئنان نفسي ويتخلّص من الشعور بالغموض والفراغ.
وأضاف، كما أنّ ذلك يحميه من الإجابات الخطأ التي قد تأتيه من مصادر غير موثوقة، وخاصة في عصرنا الحاضر، حيث ينفتح الطفل مبكرًا على الأجهزة الإلكترونية، وبرامجها محمّلة بالثقافات المختلفة.
عن علي عليه السلام : (إِنَّمَا قَلْبُ اَلْحَدَثِ كَالْأَرْضِ اَلْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ).
وورد عن الإمام جعفر الصادق : (بَادِرُوا أَحْدَاثَكُمْ بِالْحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ تَسْبِقَكُمْ إِلَيْهِمُ اَلْمُرْجِئَةُ).
وللتنشئة الدينية للطفل أربعة مسارات:
الأول: الرؤية الدينية للوجود والحياة.
أن تُغرس في ذهنه المعتقدات الدينية، بأسلوب واضح ولغة تناسب مستوى إدراكه، وعن طريق إثارة تفكيره، ومساعدته في الوصول إلى الإجابة الصحيحة على التساؤلات التي تحصل لديه، وهذا ما تلفت إليه الآيات القرآنية التي تنقل وصايا لقمان لابنه، يقول تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ويقول تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾.
وقد ورد عن الإمام زين العابدين في رسالة الحقوق: (وَأَمَّا حَقُّ وَلَدِكَ فَتَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْكَ وَمُضَافٌ إِلَيْكَ فِي عَاجِلِ اَلدُّنْيَا بِخَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَأَنَّكَ مَسْئُولٌ عَمَّا وُلِّيتَهُ مِنْ حُسْنِ اَلْأَدَبِ وَاَلدَّلاَلَةِ عَلَى رَبِّهِ وَاَلْمَعُونَةِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ).
إنّ الدلالة على الربّ، التي تستبطن البحث عنه في نفس الولد، هي من حقوق الولد المعنوي على أسرته.
الثاني: الالتزامات العبادية المبكرة
وتعني التربية برفق على الالتزامات العبادية مبكرًا ليألفها وتصبح جزءًا من برنامجه اليومي والحياتي.
يقول تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾
ويقول تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾
وسُئل النبي عن الطفل متى يصلي، فقال: (إِذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ، فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ)
ورد عن الإمام علي : (يُؤْمَرُ اَلصَّبِيُّ بِالصَّلاَةِ إِذَا عَقَلَ وَبِالصَّوْمِ إِذَا أَطَاقَ)
وورد عن الإمام الصادق : (أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ اَلصَّبِيَّ بِالصَّوْمِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْضَ اَلنَّهَارِ فَإِذَا رَأَى اَلْجُوعَ وَاَلْعَطَشَ غَلَبَ عَلَيْهِ أَمَرَهُ فَأَفْطَرَ).
وهنا تبدو أهمية وجود دورات تعليم الصلاة والواجبات الدينية للأطفال، في المحيط الاجتماعي، وذلك من مهام إدارات المساجد، والمؤسّسات الدينية والتربوية، إلى جانب دور الأسرة.
الثالث: التوجيه للسّلوك الأخلاقي، بأن يتم تشجيع الطفل وتحفيزه لممارسة السّلوك الحميد، وأن يحذر من السّلوك السيء.
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نٰاراً وَقُودُهَا اَلنّٰاسُ وَاَلْحِجٰارَةُ﴾ قُلْتُ: هَذِهِ نَفْسِي أَقِيهَا، فَكَيْفَ أَقِي أَهْلِي؟ قَالَ : (تَأْمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اَللَّهُ بِهِ، وَتَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اَللَّهُ عَنْهُ، فَإِنْ أَطَاعُوكَ كُنْتَ وَقَيْتَهُمْ، وَإِنْ عَصَوْكَ فَكُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ)
وعنه : (مُرِ اَلصَّبِيَّ فَلْيَتَصَدَّقْ بِيَدِهِ بِالْكِسْرَةِ وَاَلْقَبْضَةِ وَاَلشَّيْءِ)
الحاجة الماسّة لوجود ثقافة دينية أخلاقية تناسب مرحلة الطفولة، عبر الأساليب والوسائل الحديثة التي يتفاعل معها أطفال هذا العصر، كالقصص والأفلام والبرامج الكمبيوترية، ولا يصح أن نُسلّم أطفالنا للثقافة الواردة من الخارج بما فيها من أفكار وأنماط سلوك مخالفة لمبادئنا الدينية وقيمنا الأخلاقية.
الرابع: إشراك الطفل في الأجواء الدينية والاجتماعية، ليتأهل لأخذ دوره الاجتماعي، ويتربّى على التفاعل مع بيئته ومحيطه.
وقد أحضر رسول الله الحسنين في قضية المباهلة، وقبل البيعة منهما، وسجّل شهادتهما على كتاب المعاهدة بينه وبين قبيلة ثقيف.
وكانا يحضران مجلسه ويسمعان ما ينزل به الوحي وحديث النبي ، ويحضران المسجد في صغرهما، وربما امتطى أحدهما ظهره وهو ساجد فيطيل من أجله السّجود.
من هنا ينبغي أن يهتم الكبار بإحضار أبنائهم في المجالس العامة. فوجود الطفل في أماكن اجتماع الناس ينمّي شخصيته سيما في مكان كالمسجد، لكننا إذا نظرنا إلى التجمّعات في المساجد قلما نجد أطفالًا بصحبة آبائهم!.
وكثير من الآباء يتعذّر بخشيته أن يكون أبناؤه مصدر إزعاج للمصلين، أو يقوموا بتصرفات لا تليق بقدسية المسجد. وهذا خلاف ما نجده في السنة النبوية، إذ كان رسول الله يصلي ويسمع بكاء طفل فيختصر في صلاته.
نعم، هناك رواية تشير إلى كراهية تمكين الأطفال في المساجد. باعتبار أنّ المسجد للعبادة و لا يصلح للصغار، لكنّ بعض العلماء التفتوا إلى أنّ الرواية ضعيفة السند من جهة، ومن جهة أخرى قد يكون المراد بالأطفال هم الذين لا يتحفّظون في النجاسة. ولهذا يعلق السيد الشيرازي (رحمه الله) في موسوعته الفقهية على هذه المسألة قائلاً: «والظاهر أنّ المراد الأطفال الذين هم مظنّة التنجيس والأذية ونحوهما، لا الأطفال للصلاة، فقد صح دخول الحسن والحسين وأمامة وغيرهم مسجد رسول الله وعناية الرسول بهم، بل الإطلاقات منصرفة عن ذلك».
إننا نشعر بسعادة بالغة حينما نرى صغار السّن والناشئين يشاركون معنا في صلاة الجماعة والجمعة، وأكبر الآباء والأمهات الذين يصطحبون أطفالهم إلى المسجد، وأدعو للاهتمام بهم وإعطائهم دورًا يشجعهم على الحضور، كالأذان أو قراءة الدعاء، أو المشاركة في تقديم الخدمة للمصلين.
امتاز أتباع سماحة المرجع بالأعمال الرسالية والفعاليات التوعوية، والهمم العالية بجذب الشباب، وهدايتهم
الا انه أفتقدنا هذا العنصر بسبب الخلود للدنيا و الراحة وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع والا فأهل بيتك أحق الناس عليك بالإرشاد والموعظة وتعلم أحكام الدين، وهذه مدراس الأشبال يشرف عليها أخوة أكفاء قد سخروا كل طاقاتهم من أجل خدمة هذا الجيل الناشئ، وتربى وتخرج على أيديهم عشرات الطلبة الذين كانوا نبراساً في مدارسهم وجامعاتهم ومعاهدهم.
واليوم بدأت الدورات الصيفية والأخوة في ادارة ملف الاشبال و لجنة المساجد على أتم الاستعداد لإستقبال الاشبال، فإن بناء المؤسسة من النشأة يكون أكثر عطاء، لاسيما الحث الخاص من الشريعة والثواب عظيم لمن يعتني بالأشبال والحذر كل الحذر من أهمالهم وهذا ما أكدت عليه المرجعية في كثير من خطاباتها.
أقول ما قد سمعتم واستغفر الله لي و لكم والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم: ((والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)).
وجاء في الخطبة الثانية الموحدة الصادرة من مؤسسة الصلاة عمود الدين في النجف الأشرف:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد الخلق أجمعين محمد و آله الطيبين الطاهرين.
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ* ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ يونس13-14.
تسلم الإمام أمير المؤمنين (ع) الحكمَ في مجتمع ورث الفساد، وكانت تنتظره مشاكل معقدة كثيرة على مختلف الأصعدة، فعالنهم الإمام (عليه السلام) بسياسته الثورية الجديدة التي قرر أن يتبعها من أجل تحقيق الأهداف التي قبل الحكم لأجلها، وكانت هذه السياسةُ منهجاً مدروساً ومنتزعاً من الواقع الذي كان يعانيه المجتمع الإسلامي آنذاك، ومعدة للسير بهذا المجتمع إلى الأمام.
فقد وقف (عليه السلام) موقفاً صارماً ومتشدداً من أجل تطبيق مشروعه الإصلاحي وقد ركز في سياسته المالية على نقطتين هامتين:
إحداهما: الثروات التي تكونت في أيام عثمان بأسباب غير مشروعة.
والثانية: أسلوب توزيع العطاء.
ففيما يتعلق بالنقطة الأولى: قام عليه السلام بمصادرة جميع ما أقطعه عثمان من القطائع، وما وهبه من الأموال العظيمة لطبقة الأرستقراطيين, فأصدر أوامر بجمع الاموال المسروقة والمختلسة من بيت المال وإعادتها الى خزينة الدولة (بيت المال).
قال عليه السلام: ” أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنِّي رَجُلٌ مِنْكُمْ ، لِي مَا لَكَمَ وَعَلَيَّ مَا عَلَيْكُمْ ، وَإِنِّي حَامِلُكُمْ عَلَى مَنْهَجِ نَبِيِّكُمْ ، وَمُنَفِّذ فِيكُمْ مَا أَمَرَ بِهِ ، أَلَّا وَإِنَّ كُلَّ قَطِيعَةٍ أَقْطَعُهَا عُثْمَانُ ، وَكُلَّ مَالٍ أَعْطَاهُ مِنْ مَالِ اَللَّهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ فِي بَيْتِ اَلْمَالِ ، فَإِنَّ اَلْحَقَّ لَا يُبْطِلُهُ شَيء ، وَلَوْ وَجَدَتُهُ قَدْ تُزَوَّجَ بِهِ اَلنِّسَاءُ وَمُلِكِ بِهِ اَلْإِمَاءُ وَفُرِّقَ فِي اَلْبُلْدَانِ لَردَّدْتُهْ ، فَإِنَّ فِي اَلْعَدْلِ سِعَةً ، وَمِنْ ضَاقَ عَلَيْهِ اَلْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقَ “.
وفيما يتعلق بالنقطة الثانية: فقد تناولت سياسته المالية إلغاء مبدأ التفاضل في العطاء، وإعلان مبدأ المساواة، حيث ساوى في العطاء بين المعتقين والأحرار، والسابقين في الإسلام والمسلمين الجدد, ولم يفضل أحداً على أحد.
وبهذا الإجراء جسَّد الإمام عليه السلام مفهوم التسوية في العطاء بين جميع الناس الذين يتمتعون بحق المواطنة الإسلامية من دون تمييز، وقضى على شرعية التفاوت الطبقي بما له من ذيول اقتصادية ودينية، وألغى كل أشكال التمييز في توزيع الأموال على الناس مؤكداً أن التقوى والسابقية في الإسلام أمور لا تمنح أصحابها امتيازات في الدنيا، ومن كان له فضل في الإسلام لأسبقيته فالله يتولى جزاءه يوم القيامة، أما في هذه الدنيا فالناس سواسية في الحقوق والواجبات.
قال عليه السلام في إحدى الخطب الأولى التي استهل بها حكمه:” إِلَّا وَأَيّمَا رَجُل مِنْ اَلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَرَى أَنَّ اَلْفَضْلَ لَهُ عَلَى سِوَاهُ لِصُحْبَتِهِ ، فَإِنَّ اَلْفَضْلَ اَلنَّيِّرَ غَدًا عِنْدَ اَللَّهِ ، وَثَوَابُهُ وَأَجْرُهُ عَلَى اَللَّهِ ، وَأَيّمَا رَجُل اِسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَصَدَّقَ مِلَّتَنَا وَدَخَلَ فِي دِينِنَا ، وَاسْتَقْبَلَ قُبْلَتَنَا فَقَدْ اِسْتَوْجَبَ حُقُوقَ اَلْإِسْلَامِ وَحُدُودَهُ ، فَأَنْتُمْ عِبَادُ اَللَّهِ ، وَالْمَالُ مَالُ اَللَّهِ، يُقَسَّمَ بَيْنَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ، لَا فَضَّلَ فِيهِ لِأَحَدِ عَلَى أَحَدٍ، وَلِلْمُتَّقِينَ عِنْد اَللَّهِ غَدًا أَحْسَنُ اَلْجَزَاءِ وَأَفْضَلُ اَلثَّوَابِ ؛ لَمْ يَجْعَلْ اَللَّهُ اَلدُّنْيَا لِلْمُتَّقِينَ أَجْرًا وَلَا ثَوَابًا، وَمَا عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ . وَإِذَا كَانَ غَداً إِنْ شَاءَ اَللَّهُ فَاغْدُوا عَلَيْنَا ؛ فَإِنَّ عِنْدِنَا مَالاً نُقَسِّمُهُ فِيكُمْ، وَلَا يَتَخَلَّفْنَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ؛ عَرَبِيٌّ وَلَا عَجَمِيّ كَانَ مِنْ أَهْلِ اَلْعَطَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا حَضَرَ، إِذَا كَانَ مُسْلِمًا حُرًّا ” . فَلَمَّا كَانَ مِنْ اَلْغَدِ، غَدا وَغَدا اَلنَّاسُ لِقَبْضِ اَلْمَالِ ، فَقَالَ لِعُبَيْدِ اَللَّهِ اِبْنِ أَبِي رَافِع كَاتِبَهُ : ” اِبْدَأْ بِالْمُهَاجِرِينَ فَنَادَهُمْ ، وَأَعْطِ كُلَّ رَجُلٍ مِمَّنْ حَضَرَ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، ثُمَّ ثَنْ بِالْأَنْصَارِ فَافْعَلْ مَعَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ؛ وَمِنْ حَضَرَ مِنْ اَلنَّاسِ كُلِّهِمْ ؛ اَلْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ فَاصْنَعْ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ “.
فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ : يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ، هَذَا غُلَامِي بِالْأَمْسِ وَقَدْ أَعْتَقَتْهُ اَلْيَوْمِ ؛ فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ : ” نُعْطِيهُ كَمَا نُعْطِيكَ، فَأَعْطَى كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ”.
فتميزت معالم سياسته بتقدّم حضاري ملموس، ولاسيما فيما يتعلّق بالجوانب المالية وواردات الدولة وآلية توزيعها, وأعلن حزمه في أمر الخراج وما تملكه الدولة من العائدات المالية التي هي ملك الشعب.
وبيّن (عليه السلام) عدله في سياسته المالية بأن لا يخصّ نفسه وذويه بتلك الأموال, وإنما تنفق لتطوير الحياة العامة وتنميتها من خلال خلق فرص العمل ورفع مستوى المعيشة للفرد والقضاء على الجريمة والفساد.
وتميزت سياسته (عليه السلام) أيضاً بالعدالة والصرامة وعدم المداهنة مع أي طرف مهما علا شأنه أو قرب نسبه، فقد كان جُلّ اهتمامه متوجّهاً الى شريحة الفقراء والعاطلين عن العمل, مما جعل منهجه في السياسة الاقتصادية يعتمد مبدأ توزيع الاموال بصورة عادلة وسريعة على مستحقيها, والاهتمام بالجانب الزراعي من خلال تعمير الاراضي وإصلاح الري لاستيعاب العاطلين عن العمل وزيادة الانتاجية الغذائية لسد رمق الفقراء.
وهذا ما أكّده أمير المؤمنين في عهده لمالك الأشتر عندما شدّد على ضرورة إصلاح الأرض قبل أخذِ الخراج منها حيث قال: (وَ لْيكُن نَظَرُكَ في عمارةِ الأرْضِ أبْلَغَ من نظرِكَ في اسْتِجْلابِ الخراجِ، لأنَّ ذلكَ لا يُدْركُ الا بالعمارةِ؛ ومن طَلَبَ الخراجَ بغيرِ عمارةٍ أخْرَبَ البلاد، وأهْلَكَ العباد).
فكان معنياً بإنشاء المشاريع الزراعية، وتطويرها والعمل على زيادة الإنتاج الزراعي الذي كان من أصول الاقتصاد العام في تلك العصور، و قد أكد(عليه السلام) هذا المفهوم في عهده لمالك الأشتر كما ذكرنا آنفاً.
فلقد كان أبرز ما يهتم به الإمام أمير المؤمنين لزوم الإنفاق على تطوير الاقتصاد العام، حتى لا يبقى أي شبح للفقر والحرمان في البلاد، ومما يوكد ذلك قوله (عليه السلام): (ما اصبح بالكوفة أحدٌ الا ناعما، وان أدناهم منزلة ليأكل البُرَّ, ويجلس في الظل, ويشرب من ماء الفرات).
ويعني ذلك توفر ما يحتاجه الناس من طعام وشراب ومسكن، فهل ترى في جبين التاريخ أو صدر الحاضر وهل سمعت اذناك او رات عيناك دولة كبيرة مترامية الأطراف لا يوجد فيها فقير أو محتاج أو من لا يملك منزلاً؟.
إن النظام الاقتصادي الذي اعتمده الإمام علي (عليه السلام) يهدف إلى إقامة مجتمع عادل ومتوازن لاتقف فيه الاقطاعية أو الرأسمالية موقف التسلط والتَسيُّد على رقاب الناس، ولا يوجد فيه فقير ومحروم وبائس، فقد كان الامام شديداً وعادلاً مع أقرب المقربين, وحادثة أخيه عقيل ابن أبي طالب هي دليل قاطع على عدالته, فعندما طلب عقيل مساعدة من بيت المال أكبر مما يستحق حمى الإمام(عليه السلام) له حديدة وقرّبها الى يده، جاعلا من ذلك الموقف عبرةً ودرساً للعدالة والمساواة بين الرعية.
أيها الأحبة الكرام
إنَّ عنوان الحاكم والرئيس من العنوانات المهمة التي تفرض على من يصدق عليه العنوان مسؤولية كبرى في أداء حق العباد والبلاد.
ويعني ما تقدّم إنَّ خلافة المسلمين في منهج علي (عليه السلام) ليست تشريفاً وانما هي تكليف جديد وعبئٌ ثقيلٌ لمن يعي هذه المسؤولية، قال (عليه السلام): (أ أقنع من العيش أن يقال امير المؤمنين ولا اشاركهم في مكاره الدهر واكون اسوة لهم في جشوبة العيش , ولعل في الحجاز او اليمامة من لا عهد له بالشبع او لا طمع له بالقرص).
والنقطة المهمة التي يعلمنا إياها أمير المؤمنين عليه السلام إنَّ صلاحية الحاكم محدودة وليست مطلقة حتى يستطيع من خلالها ان يتصرف بالمال العام والموقع والمناصب كيفما يشاء , قال (ع) فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان، كما تقدم ذلك (والله لو وجدته قد تزوج به النساء , وملك به الاماء لرددته , فان في العدل سعة, ومن ضاق عليه العدل, فالجور عليه أضيق).
فليس من حق الحاكم الفرد أو البرلمان في الوقت الحاضر أن يشرع قانوناً كيفما يشاء أو يتصرف في أموال الشعب بأي طريقة مناسبة من دون أن يراعي المصلحة العامة في ذلك.
فالدولة لا تملك هذه الأموال العامة وإنما الشعب الموجود منه الآن ومن سيوجد لاحقاً، لكن للدولة الممثلة بالحكومة حق التصرف فيما تحت يدها وفق الصلاحيات التي خولها الشعب لها ووفق قوانين يسنّها ممثلو الشعب على أن تكون هذه القوانين في مصلحة الشعب والدولة لذا اشترط سماحة المرجع (دام ظله) أن تكون هذه القوانين والتصرفات ممضاة من قبل المرجعية الدينية الجامعة لشروط ولاية أمر الأمة والنظر في شؤونها باعتبارها نائبة بالنيابة العامة عن الإمام المعصوم (عليه السلام) الذي هو ولي كل الأمور العامة , والإطار العام للتصرفات المأذون بها شرعاً في الأموال العامة ومؤسسات الدولة هو ما يندرج في حفظ النظام الاجتماعي العام ورعاية مصالح البلاد والعباد وازدهارها وكرامتها، وبذلك تحصل الحكومة على المسوِّغ القانوني والشرعي للتصرف في شؤون الدولة.
ولذا فإن الفساد المالي وهدر المال العام والعبث به والتصرف فيه خارج هذا الإذن من المحرمات الشرعية مضافاً إلى كونه من المخالفات القانونية، وإن اي قانون خارج هذا الإطار العام يكون باطلاً حتى لو سنّه البرلمان – انطلاقاً من مصالحه الشخصية والفئوية من دون مراعاة لمصالح الشعب والبلاد- لأنه غير ممضى شرعاً وغير حائز على موافقة المرجعية الدينية الراعية لحقوق الناس وحفظ مصالحهم , و هذا الحق اكتسبه الفقيه الجامع للشرائط، لأنه أولى الناس بالناس لعلمه الغزير بالقوانين الإلهية حتى بلغ درجة الاجتهاد، ولنزاهته وسمُوّ مؤهلاته الذاتية وخبرته في شؤون الناس ورعايتهم وبذل الوسع في مداراتهم وحفظ مصالحهم.
اللَّهُمَّ غَيِّرْ سُوءَ حَالِنَا بِحُسْنِ حَالِكَ , أَصْلِحْ كُلَّ فَاسِدٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ ,
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ )) صدق الله العلي العظيم”.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز